+A
A-

هكذا تحول قرار ترمب إلى انسحاب "آمن" من سوريا

بعد أيام قليلة من قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب سحب الجنود الأميركيين من سوريا، وجدت الإدارة الأميركية أنها أمام تحديات حقيقية، فالرئيس الأميركي أعلن قراره بعد اتصال مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، معتبراً أنه يريد تحقيق وعد انتخابي بسحب القوات من سوريا وترك الساحة للقوى الإقليمية.

واعتبر ترمب أنه من الممكن تسليم تركيا مهمة إكمال القضاء على داعش، وبهذا تكسب الولايات المتحد تركيا سياسياً وأمنياً، فتركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وكانت خلال الأشهر الماضية تميل إلى استقلالية أكبر، بل وتتقارب مع روسيا، ما يسبب الكثير من المخاطر الأمنية، وأقلّها كشف الأسرار العسكرية الأميركية والأطلسية لروسيا.

وصف الرئيس الأميركي سوريا أيضاً بأرض الرمال والموت واعتبر أن لا مصالح لواشنطن هناك!

انسحاب ولكن...

ردود الفعل في الإدارة الأميركية ساعدت الرئيس الأميركي كثيراً على موازنة قراره، حتى صارت واشنطن الرسمية الآن تتحدث عن انسحاب مدروس وغير مربوط بزمن قصير بل بشروط وأهداف.

ولعل أفضل من عبّر عن هذه الأهداف، وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي تحدث إلى الصحافة أكثر من مرة. وقال إن أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، هي القضاء على داعش وضمان عدم عودتها ومواجهة النفوذ الإيراني، ولكن يجب تحقيق هذه الأهداف من دون نشر قوات أميركية على الأراضي السورية، بحسب تصريحات بومبيو.

جاء كلام وزير الخارجية في إطار مراجعة بينه وبين وزير الدفاع بالوكالة بات شاناهان ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وبدا من خلال تصريحات مسؤولين أميركيين تحدثوا إلى الصحافة في إطار الإعداد لجولة بومبيو إلى الشرق الأوسط أن على الإدارة الأميركية أن تقوم بكل هذه الأهداف من دون معارضة الرئيس.

لائحة مطالب تركيا

واجه المسؤولون الأميركيون تحديات عدة في تطبيق قرار ترمب وأولها ظهور الأكراد في سوريا على أنهم حلفاء ضحّت بهم الولايات المتحدة، وهي تدير لهم ظهرها وتتركهم لمصير سيئ على يد القوات التركية، وثانيها أن أنقرة وضعت لائحة شروط طويلة لتنفيذ العملية العسكرية في سوريا، ومنها متابعة الطيران الأميركي والحليف لمهمات جوية كثيرة دعماً للجنود الأتراك والميليشيات المرافقة لهم خلال الانتشار وبعده.

ورأى الأميركيون في هذا الوقت أن لائحة المطالب التركية قضت على جوهر قرار الرئيس الأميركي وهو الانسحاب لتوفير الجهد والمال والسلاح الأميركي. كما أن مخاطر إعطاء دعم جوّي لعناصر مناصرة لتركيا يعني أخذ مجازفة كبيرة مثل انكشاف أن هؤلاء العناصر منتمون إلى تنظيمات أصولية أو كانوا عناصر في تنظيمات إرهابية، ثم التحقوا بالأتراك.

لذا بدا واضحاً أن الرئيس الأميركي لا يستطيع أخذ مخاطرة مثل هذه، فهو يعتدّ بالقول إنه يريد أن يحمي أميركا من الأصوليين والمتطرفين، ولا يود بالتالي أن ينكشف أن طيرانه قدّم دعماً جوياً للمتطرفين، وضحى في المقابل بالأكراد الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة لتحرير منطقة شمال سوريا من داعش، وصولاً إلى دير الزور وبوابة القائم حيث خطط الأميركيون لقطع الطريق السريع الإيراني.

مواجهة إيران

إلى ذلك، أكد مسؤولون أميركيون تحدثوا إلى الصحافيين قبل زيارة بومبيو إلى المنطقة عن أن تركيا ملتزمة بمواجهة النفوذ الإيراني وتعتبر أن هذا الانتشار الإيراني يشكل خطراً عليها وبالتالي اطمأن المسؤولون الأميركيون إلى أن تركيا ستقوم بالدور الذي أناطته القوات الأميركية بنفسها عندما انتشر ألفا جندي أميركي في شمال شرق سوريا.

إلا أن تطبيقات الالتزام التركي لها تعقيداتها أيضاً، وتبدأ من أن إسرائيل أعلنت عن هدف استراتيجي منذ أكثر من سنتين وهو منع إيران من تحويل سوريا إلى قاعدة دائمة لها.

للوصول إلى هذا الهدف ساعد وجود القوات الأميركية في سوريا على إعطاء ضمان ومعلومات لإسرائيل حول التحركات الإيرانية وشحنات الأسلحة وقوات الميليشيات الموالية لها في منطقة الحدود العراقية السورية.

وبالتالي من الواضح أن انسحاب القوات الأميركية سيسحب هذه الضمانة ويضعف التعاون الاستخباري بين الأميركيين والإسرائيليين، والأهم أن توتر العلاقات بين حكومة تركيا وإسرائيل منذ سنوات يمنع إسرائيل من الحصول الآمن على المعلومات التي تحتاجها ويضع مصير مواجهة إسرائيل للتجذّر الإيراني في يد تركيا.

تحتاج الإدارة الأميركية إلى الإجابة عن كل هذه المعضلات قبل أن ينسحب آخر جندي أميركي من سوريا ويبدو الرئيس الأميركي متفهماً جداً لما يقوله مساعدوه بدءاً من بولتون وصولاً الى بومبيو وشاناهان.