+A
A-

مآسٍ إنسانية بمخيمات مهجري الحرب السورية

لم تترك مياه الأمطار الغزيرة مكاناً للسوريين المهجّرين والهاربين من جحيم حرب النظام، يحميهم في فصل الشتاء القارس، فاقتلعت خيمهم وجرفت ما بالكاد يعتبر متاعاً لهم، على قلّته، وشرّدت الأطفال المحرومين أصلاً من أبسط أساسيات العيش الكريم.

ومنذ الخامس والعشرين من الشهر الجاري، بلغت كمية الهطل المطري حداً وصل إلى الدرجة التي تشكلت به مجموعة من السيول كانت أقرب إلى الأنهر الجارية، نظراً لما احتوته من سرعة في التدفق واتساع في المجرى، فاقتلعت ودمرت قرابة 8000 خيمة في الشمال السوري، خاصة في ريفي حلب وإدلب على الحدود السورية التركية.

وذكر مركز المعرّة الإعلامي المعارض، على حسابه الفيسبوكي، أن أكثر من 6500 عائلة قد تضررت بفعل السيول والفيضانات التي ضربت مخيمات الشمال في الريف الإدلبي، فاقتلعت الخيم وجرفت الأراضي وأصبح القليل مما يملكه السوريون في تلك المخيمات، طائفاً محمولا في مياه السيول.

وتظهر الصور التي نشرها المركز المذكور، وما نشره ناشطون سوريون على "فيسبوك" حجم الدمار والخراب الذي أصاب مخيمات السوريين في الشمال خاصة في ريف إدلب، حيث تشرّد الأطفال، ثانية، في الشوارع، وينقلون خطواتهم في الوحل اللزج المتكون بفعل غزارة المياه، فيما أصبحوا محرومين حتى من غطاء للرأس أو من أي وسيلة تدفئة حتى لو كانت غطاء نوم، تبعاً لما صرّحت بعض الأمهات المهجّرات من الجنوب السوري، إلى مخيمات الشمال.

وقالت إحدى السيدات عمّا جرى في ليلة من ليالي المطر الغزير، الثلاثاء الماضي، إن مياه السيول ضربت الخيمة التي تؤوي أطفالها، في الساعة الحادية عشرة ليلا، فأنقذت أطفالها وأخرجتهم من المكان، واستنجدت ببعض جيرانها من المهجرين، لإيواء أطفالها.

وقال أحد المهجرين من سكان مخيمات الشمال السوري، إن السبل تقطعت بهم بعد الطوفانات والسيول التي ضربت مخيمهم، ولم يعد هناك من مجال حتى لإحضار الخبز للأطفال أو تعريضهم لأي وسيلة تدفئة، في ظل انخفاض شديد في درجات الحرارة، تشهده مناطق الشمال السوري، عادة في هذا الوقت من السنة.

وينتشر في الشمال السوري ما بين حلب وإدلب، مئات المخيمات التي تفتقد في الأصل، لأبسط مقومات الحياة الكريمة، وكشفت أمطار هذه السنة، حجم الإهمال الذي يعاني منه مهجرو الشمال الذين قدموا إلى تلك المنطقة، إثر اتفاقات تهجير فرضها النظام السوري على المناطق التي كانت مسقط رأسهم، كالجنوب السوري، أو من أرياف حمص، أو من مهجري الغوطتين، الشرقية والغربية، وغيرها.

وسبق وتوجه عدد كبير من سكان تلك المخيمات، الثلاثاء الماضي، إلى جميع المنظمات الدولية وغير الدولية، لتقديم ما يمكن من يد العون والمساعدة في حماية آلاف الأطفال الذين أصبحوا بلا سقف يحميهم، وبلا أرض يفترشونها، وبدون أي وسيلة تدفئة حتى لو كانت غطاء سرير.

اما عن مأساة مخيمات الشمال السوري من باب الهوى في الشمال إلى منطقة معرة النعمان الإدلبية، حجم الخراب والتدمير الذي تعرضت له، فقد جرفت السيول التربة وما عليها وتحول المكان إلى مستنقعات مياه باتت تضم ما دمِّر من متاع، وحوصرت الخيم التي نجت من التدمير، بالوحل العميق والمياه المتجمعة، فخرج أصحابها على أطراف المخيم بعدما اكتسحت المياه أراضي الخيم وصار من غير الممكن حتى الوقوف على قدمين، داخلها.

والأطفال، كانوا في مقدمة ضحايا السيول، حيث ظهروا في برك المياه وبين الأوحال، وكاد البعض منهم، يسقط غريقا في بعض السيول الجارفة، إلا أن الأهالي سارعوا إلى نجدتهم، وسط ظروف هي الأكثر صعوبة حتى على فرق الإنقاذ المحترفة، وفق ما يظهره أكثر من فيديو يظهر كيفية إنقاذ طفل، عبر مد حبل على طرفي سيل مائي هادر، يهدر كما لو أنه نهر، ثم يتناوب بعض الرجال بحمل الطفل لإيصاله إلى الضفة الأخرى.

وتضم مخيمات الشمال السوري، أكثر من 800 ألف سوري هجره نظام الأسد، قسريا، في أوقات متلاحقة. فيما تضم تلك المخيمات أكثر من مليوني سوري مهجر إنما أبناء الشمال السوري ذاته.

وتشير إحصائيات مختلفة إلى وجود جنسيات غير سورية، من سكان تلك المخيمات، كالفلسطينيين والعراقيين، إنما بنسب محدودة.

وتنضوي المنطقة التي تضم مخيمات الشمال في الريف الإدلبي على الحدود السورية التركية، تحت اتفاق (سوتشي) الذي عقده الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي بوتين، في أيلول/سبتمبر الماضي، وقضى بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب بعمق يتراوح بين الـ 15 والـ 20 كيلومتراً.

واعتبرت محافظة إدلب منطقة خفض تصعيد، في شهر مايو/أيار 2017، إثر اتفاقية ناتجة من أطراف مؤتمر أستانا، أنقرة وموسكو وطهران.

وكان النظام السوري هدد مرارا باجتياح إدلب، إلا أن اتفاق بوتين وأردوغان، أعطى لتركيا الحق بالتصرف في (إخراج) فصائل مسلحة منها تم إدراجها تحت بند الإرهاب، خاصة أن الجيش التركي ينشر نقاطا عسكرية متقدمة في إدلب وصولا إلى أطراف محافظة حماة، تبعا لاتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الروس والأتراك والإيرانيين حول المنطقة.

وأطلق الدفاع المدني السوري الحر، والذي أقام دورة تدريبية لتدريب المتطوعين على عمليات البحث والإنقاذ في إدلب، الأربعاء، هاشتاغ (مخيمات الشمال السوري تغرق) موضحاً أنه تمكن من إجلاء 90 عائلة ومطلقا أكثر من نداء لتقديم مساعدات عاجلة لأهالي المخيمات الذين هربوا من نكبة حرب النظام السوري، ليقعوا فريسة نكبة السيول والإهمال والتهجير المتواصل.