أرسل لي قبل أيام أخي وصديقي وزميل الدراسة، عندما كنا ندرس في جامعة مومباي بالهند، خالد بن محمد بن عبدالرحمن فخرو، معلومات قيمة ومفزعة ضمن مقال شيِّق خطير استقاه من مصدر موثوق، وبعد تأكدي من المعلومات والأرقام التي وردت فيه، وددت أن أُطلع القراء الكرام عليه؛ نظرًا لأهميته القصوى، وأن أنشره في عمود “وقفة” كما وردني.
جاء في المقال وتحت عنوان “الحكَّام الجدد... والعبيد الجدد”، ما يلي:
“غافام GAFAM” هو اختصار أسماء شركات الويب الأميركية العالمية الخمس، وهي غوغل وآبل وفايسبوك وأمازون ومايكروسوفت، وكلها تأسَّست في الربع الأخير من القرن العشرين، وتطورت وازدهرت في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، ويُطلق عليها تسمية “الخمسة الكبار The Big Five”. ومن المفيد أن نعلم أن غوغل تمتلك شركة يوتيوب، وأن فايسبوك تمتلك شركتي واتساب وإنستغرام، وأن مايكروسوفت تمتلك شركة سكايب.
صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية لقبت هؤلاء الخمسة الكبار أخيرا بـ “نقابة الجريمة الرقمية المنظمة”؛ بسبب تشكيلهم خطرًا كبيرًا على الديمقراطية وعلى الحريات الفردية في العالم، نظرًا لنشرهم أخبارًا ملفقة وبث شائعات مغرضة متى شاءوا وفي أي بلد من بلدان العالم وبلغة أهل البلد. كما كتبت مجلة “جون أفريك” (أو إفريقيا الشابة) مقالاً مشابهًا يؤكد خطر هذه المجموعة العالمية التي باتت تستحوذ على البيانات الشخصية لجميع مستخدميها وميولهم وسلوكياتهم في كل ما يتعلق بحياتهم العامة والخاصة، ناهيك عن التهرب الضريبي التي تستفيد منه هذه الشركات الضخمة في كافة أصقاع الأرض، لاسيما بعدما باتت تشكل كتلة مالية ضخمة جدًّا تقدّر بحوالي 4 آلاف مليار دولار كقيمة سهمية في البورصة.
إسرائيل فهمت باكرًا لعبة حرب تجميع المعلومات الكبرى “Big Data” في الفضاء السيبراني، فإضافة لليهود الموزعين في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وروسيا القابضين على المال والسلطة والإعلام، تحولت إسرائيل خلال العقود الأخيرة إلى واحة عالمية لاستقطاب “الشركات الناشئة Startups”، لاسيما تلك المتخصصة في تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات المتطورة، ومنها برامج التجسُّس الإلكترونية، وباتت تبيع منتجاتها بأغلى الأسعار إلى الأنظمة العالمية لمحاربة الإرهاب، وإلى الأنظمة الدكتاتورية لتعقب المعارضين والتخلص منهم. ومن عشرات بل مئات الأمثلة الساطعة شركة “NSO” الموجودة في مستوطنة هرتزاليا، والتي صنعت برنامجًا تجسسيًّا اسمه “Pegasus”، حيث وصلت كلفة التجسُّس على الضحية الواحدة 25 ألف دولار.
ومنذ 3 عقود، يتم توجيه المتفوقين من المجندين الإسرائيليين للعمل في وحدة المخابرات 8200، بحيث يتعلمون تطوير الأسلحة الرقمية وبرمجيات القرصنة الإلكترونية، بعدها يتبوأ خريجو هذه الوحدة مناصب عليا في شركات المراقبة والتجسس بوصفهم أدمغة أمنية عالمية، ومنهم متخصصون في جمع المعلومات الحسَّاسة من شبكات التواصل الاجتماعي العربية وتحليلها والاستفادة من نتائجها.
في كتاب شيق صدر العام 2011، بقلم كل من دان سينور وساول سينجر بعنوان “الأمة الناشئة: قصة المعجزة الاقتصادية الإسرائيلية”، يجيب الكاتبان على سؤال أساسي: كيف لدولة مثل إسرائيل يبلغ عدد سكانها 7 ملايين نسمة، وعمرها بالكاد 60 عامًا (70 عامًا الآن)، وهي في حالة حرب دائمة مع أعدائها الكثر منذ إنشائها، وليس لديها موارد طبيعية، أن تتمكن من إنشاء أعداد كبيرة من الشركات الناشئة تزيد عن دول عريقة مثل اليابان والصين والهند وكوريا وكندا والمملكة المتحدة؟
سؤال لم يخطر يومًا على بال المفكرين والاقتصاديين والحكَّام العرب الذين يحكمون أكثر من 365 مليون إنسان ويملكون ثروات طبيعية ومالية خيالية، ولا على بال السياسات الجامعية العربية التي تخرّج أعدادًا متزايدة من أصحاب الشهادات العليا الذين لا قيمة علمية وازنة لهم في سوق إنتاج المعرفة.
منتجو المعرفة ومالكوها سيصبحون قريبًا حكام العالم الجدد، أما مستهلكو المعرفة فلن يكون لهم إلا دور العبيد الجدد.
انتهى المقال، وشكرًا لمن اهتم بجمع هذه المعلومات وللأخ خالد فخرو على مبادرته بإرساله لي.