العدد 3673
الأحد 04 نوفمبر 2018
banner
قميص المرحوم خاشقجي
الأحد 04 نوفمبر 2018

جميع كتب التاريخ الإسلامي، وغيرها، تحتوي على تفاصيل الأحداث المؤسفة التي وقعت قرب نهاية عهد الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم أجمعين، والتي أدت بعد ذلك إلى بروز مصطلح “قميص عثمان”، الذي تحول لاحقًا إلى مفهوم سياسي يُطلق، في الكثير من الأحيان، على كل شيء يُراد به التحريض والإثارة والفتنة والابتزاز.

لقد عاد المصطلح إلى الذاكرة في الآونة الأخيرة على إثر تداعيات الحادث المؤلم والجريمة البشعة التي أودت بحياة المواطن السعودي الصحافي والناشط السياسي المرحوم جمال خاشقجي، فما تزال بعض القوى والأطراف والجهات تقرع الطبول وتنفخ في الأبواق، لا حزنًا حقيقيًا لرزء الفقيد أو غيرة صادقة على حرية الصحافة وحقوق الإنسان، أو حرصًا راسخًا على تحقيق العدالة والإنصاف، بل ليرقص بعضها فرحًا لهذا الحدث الذي هيأ لها فرصة التشفي والانتقام وإمكان اقتناص المكاسب والمغانم.

إن بعض ما نسمعه من عقير وعويل ونفير عن القضية له، بكل وضوح، أهداف وغايات أخرى، بعيدة كل البعد عن قيم الشهامة والنبل، وتفوح منها روائح الابتزاز والاستهداف والمساومة والرغبة في الاتجار والمقايضة والتركيع وتصفية الحسابات.

ونحن هنا لا نصبو إلى التبرير أو التهوين أو التستر، فالجريمة قد وقعت، وهي جريمة نكراء شنيعة بكل المقاييس والمعايير، بغض النظر عن أسلوب تنفيذها، وسواء ارتكبت لا إراديًا أم بتدبير مسبق، حيث إن ما تعرض له المرحوم جمال خاشقجي هو خطب مؤلم مهول، وقد سبب لنا جميعًا الكثير من الأسى والمرارة والإحراج، وإن مثل هذه الجرائم  لن يتم التعاطي معها بأي قدر من التهاون والتساهل والاستخفاف. وقد عبرت حكومة المملكة العربية السعودية عن أسفها لما حدث وأعلنت عن وقوع الحادث في مبنى قنصليتها في إسطنبول، ووصفته بأنه جريمة بشعة غير مبررة، وأكدت أنه ستتم محاسبة ومعاقبة مرتكبيها والضالعين فيها، وبدأت بالفعل بالتحقيق واتخاذ الخطوات القانونية والإجراءات القضائية اللازمة، وألقت القبض على 18 متهمًا من موظفي الدولة وأقالت 3 من كبار المسؤولين فيها، وتعهدت باستكمال التحقيقات والكشف عن ملابسات الجريمة كافة، مع الالتزام بمعايير العدالة والشفافية.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الأبواق ظلت تُنفخ والطبول تُقرع وقميص المرحوم جمال خاشقجي بقي مرفوعًا تحت شعار الأخذ بثأره، وأخذت الضغوط تزداد على المملكة العربية السعودية لدفعها للإسراع في إنهاء التحقيقات والكشف عن مزيد من التفاصيل والملابسات، وعلى افتراض حسن النية فإننا نضم صوتنا إلى تلك الأصوات، لكننا جميعًا ندرك أن العدالة والإنصاف لا يمكن تحقيقهما على عجل وتحت سياط التهديد والابتزاز ووسط عواصف وأعاصير الحملات الإعلامية الضارية المركزة وفي حومة الاتهامات التي تفتقر إلى الأدلة والبراهين، إلا إذا كان المطلوب هو رؤوس أشخاص معينين وتقديم مزيد من القرابين وأكباش الفداء.

إن قوى التخلف والتطرّف والإرهاب أخذت ترفع قميص جمال خاشقجي عاليًا لمواجهة من نادى بمحاربتها والتصدي لها. لقد أعلن سمو الأمير محمد بن سلمان، مرارًا وتكرارًا، أنه لن يتهاون وسيتصدى بقوة وصلابة وحزم لكل وجوه وأشكال التطرّف والعنف والإرهاب؛ ولذلك فإن هذه القوى قد وجدت ضالتها في قضية المرحوم جمال خاشقجي، فحملت رايتها وجعلتها متراسًا تخفي وجهها الحقيقي خلفه، وتصوب من ورائه سهامها وقذائفها الطائشة لعرقلة وإجهاض خطط الأمير محمد بن سلمان وبرامجه النهضوية الإصلاحية، هذه القوى لا ترغب في وجود رجل وقائد مثل محمد بن سلمان، رجل وضع على كاهله عبء التصدي للتخلف والتطرف والعنف والإرهاب، رجل ينظر إلى المستقبل ويزخر بالطموح ولديه رؤية شمولية لمستقبل المملكة العربية السعودية ودول المنطقة ويسعى إلى استنهاض مقومات النمو والتقدم فيها.

نحن نقف مع الأمير محمد بن سلمان، قلبًا وقالبًا؛ لأنه يحارب التخلف والتطرّف والعنف والإرهاب، ولأنه قال في مؤتمر قمة الاستثمار الذي عقد أخيرًا في الرياض “إن حربنا على التطرّف وإصلاحاتنا مستمرة ولن يستطيع أحد إيقافنا”. ومن بين الأطراف العديدة التي تسعى لاستغلال الحدث لتحقيق مراميها الخاصة هم الحالمون باستنهاض الإمبراطورية العثمانية من قبرها بأحمالها وأثقالها التاريخية، وإعادة الروح إليها، والتربع على عرشها، ومد نفوذها على المنطقة وذلك بغرض تصفية حسابات قديمة، واستثمار الحدث للمزايدة والمقايضة لتحقيق مكتسبات سياسية وإستراتيجية واقتصادية.

ولا حاجة إلى لفت النظر إلى أن قضية المرحوم جمال خاشقجي قد تزامنت مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تركيا.

ولذلك، لا يجب أن نسمح لمثل هذه الجهات أو تلك الأطراف استغلال هذه القضية الإنسانية للتكسب أو لتصفية حسابات أو لاستهداف أشخاص معينين أو لتنفيذ برامج تهدف إلى تفتيت المنطقة وتقطيعها وتجزئتها، والمتاجرة بدم شخص واحد عزيز علينا جميعًا ومقايضته بقتل دول المنطقة وذبح طموح شعبها.

لقد التقيت بالمواطن السعودي رجل الإعلام المرحوم جمال خاشقجي في البحرين قبل بضع سنوات، في ردهة أحد الفنادق ومن دون سابق تدبير، عندما كان يتردد على المنامة وقتها لمتابعة مشروع محطة تلفزيون العرب الإخبارية، ورغم أن اللقاء كان قصيرا جدًا وعابرًا، إلا أنني وجدته رجلًا جادًا خلوقًا لبقًا، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .