+A
A-

في إيران الجائعة للعملة الخضراء .. بيتزا محشوة بالدولارات

وصل عامل التوصيل إلى باب المنزل الواقع في وسط طهران، يحمل صندوقًا من الورق المقوى يحتوي على وجبة ساخنة من البيتزا بالجبن.. والدولارات أيضا.

فبعد أقل من ثلاث ساعات على إرسال الطلب عبر تطبيق تليغرام، وصلت طلبية من ثلاثة آلاف دولار إلى الزبون الجائع، بينما دفع المقابل بالعملة المحلية عبر بطاقة مصرفية.

نيما، عامل التوصيل الذي طلب عدم الكشف عن اسمه بالكامل، قال لصحيفة "وول ستريت جورنال:" أنا لست تاجر مخدرات، لكن حكومتنا أضطرتنا إلى حرب عصابات"، موضحا أن تاجرا في السوق السوداء للعملة قام بترتيب الصفقة.

وعادت السوق السوداء في إيران إلى الانتعاش، بعدما فرضت الحكومة الإيرانية قيودا على التعاملات غير الرسمية بالعملة الأجنبية، بعد انهيار الريال وفرض عقوبات أميركية مشددة.

وأدى الانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية إلى ارتفاع الطلب على الدولار في الأشهر الأخيرة من جانب الإيرانيين الذين يبحثون عن أصول أكثر أمانًا. ويوم الثلاثاء ، وصل سعر الدولار إلى 107 آلاف ريال مقارنة بـ43 ألفا في يناير الماضي.

لعبة القط والفأر

وانخرطت السلطات في لعبة القط والفأر مع تجار العملة الذين يعملون سرا في المحلات التجارية وعبر تطبيقات الرسائل.

وأعاد ترامب في أغسطس الجاري فرض العقوبات الأميركية على معاملات إيران بالدولار الأميركي، وتجارتها في المعادن النفيسة من بين أمور اخرى.

ومن المقرر تنفيذ حزمة أخرى من العقوبات في نوفمبر المقبل، تشمل النفط بشكل أساسي، وهو ما سيدفع إلى مزيد من الانكماش في الاقتصاد الإيراني.

ورغم محاولة الحكومة التخفيف من قيود تبادل العملات، عبر فتح سوق فرعية لصالح المستوردين والمصدرين الصغار الذين يرغبون في المتاجرة بالعملات بأسعار السوق، لكنها لم تلب الطلب الكبير على العملة الأجنبية، خاصة أن الكثيرين هرعوا لاقتناء الدولارات كملاذ آمن، خوفا من تدهورا جديد في العملة المحلية.

وفي أغسطس، أزالت السلطات الحظر المفروض على التداول في أسواق العملات خارج الأسعار الرسمية.

ومع ذلك، لا تزال هناك بعض القيود، بما في ذلك تلك المفروضة على مقدار الدولارات التي يمكن أن يقدمها تجار العملة للعملاء، والطلب المتزايد في السوق الثانوية المعتمدة رسميًا.

وقد أبقى ذلك جزءًا من التجارة السرية، على الرغم من أن أحد المطلعين على هذه المجال قال إن معاملات السوق السوداء تباطأت في الأسابيع الأخيرة، بسبب الارتفاع الجنوني في سعر الدولار.

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن بعض الاقتصاديين قولهم إن السلطات تخشى تجفيف العملة الأجنبية في البنك المركزي.

وقال روحاني في يناير إن إيران لديها احتياطيات كافية من العملات الأجنبية لتحقيق الاستقرار في العملة، وهو ما أكد عليه محافظ البنك المركزي السابق فاليولا سيف في أبريل، لكن سلوك الحكومة لا يعبر عن ذلك في أرض الواقع.

فقد أعلنت السلطات عن اعتقال خمسة من تجار العملة الأجنبية بشأن مزاعم غير محددة بارتكاب جرائم مالية في الخامس من أغسطس، وبعد أسبوع تم اعتقال 67 شخصاً واتهامهم بجرائم اقتصادية لم يتم الإفصاح عنها.

وقال شاهنام غولشاني، تاجر العملات والذهب، إن السلطات الإيرانية ضغطت على أشخاص بارزين في السوق غير الرسمية للمساعدة في التلاعب بالأسعار.

وفر غولشاني إلى تركيا قبل ثلاث سنوات بعد أن قضى عدة سنوات في سجن إيفين في طهران، بسبب قيامه بإدارة موقع على الإنترنت ينشر أسعار صرف غير رسمية.

وقال: "في السجن، ظلوا يقولون لي إنه إذا تعاونت في تحديد الأسعار، فإنهم سيسمحون لي بالرحيل"، فقد "أرادوا توجيه السوق من وراء الكواليس".

تحت الأرض

وظل العديد من تجار العملات تحت الأرض خوفا من القبض عليهم، وقال مالك موقع Bonbast.com الذي يتتبع وينشر أسعار غير رسمية على أساس عروض أسعار من تجار السوق السوداء، إن سقف التسامح الرسمي مع الأسعار في سوق العملات يتغير باستمرار.

وأوضح الرجل الذي يملك مطعما وطلب عدم الكشف عن اسمه بسبب الآثار القانونية المحتملة: "في بعض الأيام يصبح التداول في العملة عملا مشرفا"، وفي أيام أخرى، يعتبر "انتهاكا للأمن القومي.. ويمكن توقيف كبار المتاجرين والحكم عليهم بالإعدام".

وأضاف التاجر أن العديد من التجار يتجنبون القيام بالمعاملات من خلال حساباتهم المصرفية، وبدلاً من ذلك، يلجؤون إلى استخدام الحسابات المرفقة مع الشركات ذات أحجام معاملات كبيرة، مثل المطاعم ومحلات البقالة.

ونيما مثله مثل أي تاجر عملات يستخدم تليغرام وواتساب في الحصول على طلبات الزبائن.

ويستغرق الأمر الكثير من الوقت في التدقيق والتأكد من أن الزبون ليس تابعا للأمن، كما أن شبكة التداول تتعامل فقط مع عملائها عبر التوصيات الشخصية.

ولمزيد من الأمان، فقد أنشأ التجار كلمة سر. وبحسب نيما، فإنه إلى جانب البيتزا، يجري العمل أيضا من خلال محل للجلود، حيث يتعين على الزبائن أن يعرفوا كلمة المرور مثل:" أرغب في حقيبة يد جلدية متواضعة وبراقة".

وبعد تأكيد المبلغ، يجلب الموظف الحقيبة الجلدية من الطابق السفلي والدولارت بداخلها.