في نوفمبر من عام 2014م ألقى الأمين العام للأمم المتحدة “بان كي مون” كلمة أمام منتدى عقدته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) في فيينا بالنمسا قال فيها (إن الشباب قادرون على تقلد أدوار الريادة في إنشاء الصناعات الحديثة التي يمكن أن توفر فرص العمل ــ مشيرًا إلى أن ــ البطالة تعرض الشباب لخطر الآيديولوجيات المتطرفة والمخدرات والجرائم). هذا الاهتمام الأممي بالشباب الذين تعدادهم في العالم يفوق أي وقتٍ مضى يؤكد أن هذه الفئة مليئة بالطاقة والأفكار، وأنهم قادرون على أداء مختلف الأعمال في القطاعات الإنتاجية والخدمية لو سنحت لهم الفرصة للعمل، لأن البطالة ستجعلهم في فراغ قاتل وتجعلهم عِرضة للآيديولوجيات المتطرفة، فتوفير فرص العمل للشباب أحد السبل لحمايتهم من الوقوع في براثن التطرف والعنف والإرهاب. وهذه الكلمة الأممية مثلما هي تحذير لمنع وقوع الخطر فهي أيضًا دعوة إلى توفير المزيد من فرص العمل للشباب، بما يُعزز الأمن الشبابي والاستقرار المجتمعي والسلام العالمي. وتلت هذه الدعوة الأممية مبادرة أردنية انطلقت في 23 أبريل 2015م، اشتملت على جلسة مداولات مفتوحة حول “الشباب والتطرف العنيف” وناقشت الأسباب الكامنة وراءه والأسباب التي تدعو الشباب للانخراط في التطرف، كما ناقشت الجلسة (دور الشباب أنفسهم في محاربة الإرهاب، والخطوات التي يمكن اتخاذها على المستوى الدولي للتصدي للتطرف والعنف والإرهاب).
تأتي هذه الدعوات الوطنية والقومية والدولية لمحاربة التطرف بعد تنامي التطرف دوليًا، والتفاف خيوطه العنكبوتية نحو الشباب بشكل خاص، كثيرة هي الأسباب التي يسهل بها الإيقاع بالشباب في براثن الإرهاب، فمنها الاقتصادية من فقر وبطالة وتراجع الفرص المعيشية، بجانب الأسباب السياسية والاجتماعية، وأيضًا غياب الوعي الديني وتجسيد الدين لصالح الإرهاب من قبل المُدعين بالتدين. وعلى المؤسسات الرسمية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني مسؤولية حماية هؤلاء الشباب الذين ستناط بهم مسؤولية بلادهم. ومن هذه المسؤوليات: توفير المزيد من فرص العمل المتاحة للشباب، وخصوصا للخريجين والخريجات منهم. وتعرف المجتمع على تطلعات الشباب، ومشاركتهم همومهم، والاستماع إليهم دائمًا وبوقتٍ متسع، سواء في الأسرة أو المدرسة والجامعة، وفي أروقة مؤسسات المجتمع المدني. وتمكين الشباب من الاعتماد على أنفسهم، وعدم اللجوء إلى صنعهم كنسخ عنا، فجيل اليوم يختلف عن جيلنا في الكثير من الأمور، وأن نمد لهم يد العون والمساعدة، وأن نكون قريبين منهم حتى لا نفقد التواصل معهم. وتحرير الشباب من السلوكيات الخاطئة والعادات المجتمعية الخاطئة، والتعصب الأعمى حيث يعبد لهم طريق التطرف والإرهاب. وتأهيل الشباب للانتماء إلى مبادئ التسامح وقيم التعايش وقبول الآخر والتعامل معه فكريًا ودينيًا ومذهبيًا. وتزايد اهتمام الأسرة والمجتمع والدولة بإبداع الشباب واهتماماتهم المتنوعة. وتوجيه الشباب نحو التمسك بمبادئ الدين الصحيحة وأهدافه الإنسانية والحضارية، والابتعاد عن الجماعات الدينية التي تنتهج العنف والإرهاب باسم الدين، والتي أسهمت في إعطاء صورة سيئة عن الدين. وتحصين الشباب من الغلو والتطرف والعنف من خلال تنظيم الندوات والمؤتمرات والدورات والورش التوعوية بما يملأ فراغهم. وتوعية الشباب بمخاطر التطرف وأثره السلبي على الشباب والمجتمع والعلاقة مع غير المسلمين. وتوفير مساحة من حرية الرأي والتعبير لكي يُشارك الشباب وجميع أفراد المجتمع بآرائهم الإيجابية لخدمة بلادهم وتنميتها وتطويرها. وتوضيح الإعلام لمفهوم التطرف من أجل حماية الشباب من الأفكار الدخيلة التي تؤدي إلى التطرف، وتسليحهم بالثقافة الوطنية والقومية. وتنظيم جلسات حوار مفتوحة بين الشباب ومختلف مؤسسات البلاد الرسمية والأهلية، يتم فيها طرح كل القضايا التي تهم الشباب وتلبي تطلعاتهم وأمانيهم.
ومن الصدف الحميدة أن يتزامن عقد مؤتمر (شباب ضد التطرف) في مركز عيسى الثقافي بمملكة البحرين مع انعقاد مؤتمر (الشباب المُسلم في مواجهة الإرهاب) الذي تنظمه “رابطة العالم الإسلامي” بالتعاون مع رابطة مسلمي الألزاس في مدينة ستراسبورغ بفرنسا، ودعا هذا المؤتمر إلى تحصين الشباب من الإرهاب وتحذيرهم من مخاطره. وأن الإرهاب كسلوك يعتمد على العنف ونشر الرعب وليست له جنسية ولا دين ولا وطن، فهو يَبني قِيما ومعايير مخالفة للقيِم والمعايير والعادات الإيجابية في المجتمع، ويعكس موقفًا متشددًا إزاء فكرة أو آيديولوجية معينة. علينا جميعًا أن نرفض هذا الاتجاه المتطرف والتصدي لمداخله، ومواجهته من خلال استحداث برامج وتوفير الخدمات القادرة على مواجهة العنف والتطرف في المجتمعات.