العدد 2785
الإثنين 30 مايو 2016
banner
المتقاعدون خبرات منسية
الإثنين 30 مايو 2016

تعددت الآراء حول حياة ما بعد الوظيفة أو التقاعد، فالبعض يترقبها بفارغ الصبر للانصراف الى تمضية الوقت في هواياته كالسفر أو القراءة ويجد فيها متعة بلا حدود بينما هي بالنسبة لآخرين بداية مرحلة قاتمة يتوقف فيها الانتاج والعطاء والشعور بالسأم والأدهى ما ينتابهم من احساس بأنهم أصبحوا طاقات معطلة وأنّ حياتهم بلا جدوى.
 بعض الدول عرفت كيف تستثمر طاقات المتقاعدين بإيجاد الجمعيات التي من خلالها القيام بأعمال تناسب ميولهم وتفعيل خبراتهم ولعل المثال لدينا جمعية الحكمة للمتقاعدين غير أنّ هذه الجمعية لم تعد تستوعب سوى فئة محدودة جدا. أمر حسن ما  فعلته مؤسسات رياضية وثقافية في الدولة عندما عملت على احتضان ابناء المنطقة في مقارها لممارسة انشطة رياضية وثقافية واجتماعية وتوظيف خبراتهم في مشاريع اجتماعية. إنّ طموحات هؤلاء لوزارة التنمية الاجتماعية بحصر المتقاعدين في كل منطقة ومحاولة الاستفادة منهم في تطوير بيئاتهم ودعم مشروعاتهم الصغيرة كل حسب طاقته وتجربته وخبرته الجسدية أو الفكرية.
 ومخطئ من يعتقد أنّ ميادين العمل الاجتماعي في القرية أو المدينة هي وقف على شريحة بذاتها كالشباب، فالمتقاعدون بما يملكونه من طاقات وخبرات بمقدورهم الاسهام بنصيب وافر في هذا الاتجاه. ربما يدور في خلد البعض انّه لم يعد بإمكان المتقاعدين القيام بالانشطة الاجتماعية لما تتطلبه من جهد جسمانيّ وعضليّ لكن غاب عنهم انّ ثمة انشطة لا تحتاج الى جهود عالية كالاعمال الخيرية والتطوعية الاخرى. إنها فقط تستلزم دراية بمشاكل المجتمع.
 وفي كلمة له بمقر الاتحاد قبل ايام أكدّ الامين العام لاتحاد نقابات البحرين حسن الحلواجي حاجة الحركة العمالية للاستفادة من المتقاعدين والمتقاعدات بعد ان خدموا الوطن والمؤسسات سنين طويلة، مشددا في هذا الخصوص على مقولة “لا يأس مع العمل والعطاء والحياة”. انّ مجتمعنا مازال بحاجة الى المتقاعدين والسبب اننا دولة نامية والحاجة تبدو اكثر الى تراكم الخبرات والقدرات الفنية والحرفية والتقنية والحقوقية والادارية وغيرها.
 ولا شك انها مفارقة تستدعي التوقف امامها ونعني بها انه في الوقت الذي يطالب فيه البعض بتطوير العمال في كل المواقع للمزيد من الانتاج والعطاء نقول في هذا الوقت نهمل بقصد أو بغير قصد المئات بل الآلاف من ذوي الخبرات ممن انهوا سنوات عملهم وأصبحوا يواجهون الفراغ المدمر. وقد يدهش الكثيرين حجم ما أنفقته الدولة عليهم من تعليم وتدريب بيد ان المؤسف لم يتم استثمار ذلك كما يجب.
 ويبقى أن نذّكر انّ الاحالة الى التقاعد لا تعني انّ المتقاعدين أصبحوا طاقات غير قادرة على العطاء والانتاج، فالكثيرون لا يزالون يتمتعون بالطاقة على توظيف مهاراتهم وخبراتهم في مجال تخصصهم.
 انّ دولا عربية عدة اسرعت الى انشاء هيئات للمتقاعدين تختص باستقطاب الخبرات في عدد من المجالات الفنية. يمكن استثمار طاقاتهم في الاستشارة وعمل الدراسات ووضع الاستراتيجيات المستقبلية. ونتذكر هنا انّ بلداناً شرعت بإنشاء هيئات خاصة للمتقاعدين لإمكانية توظيف خبراتهم في الكثير من المشاريع، وإننا بهذه الطريقة نكسب طاقات وطنية بدلا من تلك التي نستعين بها من الخارج والمأساة هو ما تأكد عبر التجربة أنّ خبراتنا المحلية ليست أقلّ كفاءة ممن نجلبهم كمستشارين حينا او تحت مسمى خبراء في احيان كثيرة. وأمام معضلة كهذه فإنّ على  المسؤولين تغيير ما بات متجذرا في عقولهم إزاء ما يزخر به مجتمعنا من ثروات كالمتقاعدين وغيرهم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .