العدد 2743
الإثنين 18 أبريل 2016
banner
لبنان في ظلّ العجز الأوروبي
الإثنين 18 أبريل 2016

ليس بالإمكان لوم فرنسا على الفراغ الرئاسي في لبنان. حاولت فرنسا ومازالت تحاول، عبر رئيسها، جعل ايران توافق على السماح لمجلس النوّاب بانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية في وقت مازال قصر بعبدا شاغرا منذ عامين تقريبا. فالرئيس ميشال سليمان غادر القصر مع انتهاء ولايته في الخامس والعشرين من ايّار ـ مايو 2014. لا يزال القصر ينتظر منذ ذلك التاريخ من يشغله، ولا تزال ايران تعتقد ان في استطاعتها استخدام الرئاسة اللبنانية ورقة في يدها من جهة وتغيير طبيعة النظام في البلد من جهة اخرى.
جرت العادة في لبنان، عندما كانت هناك حياة سياسية طبيعية، وحتّى شبه طبيعية، ان يُنتخب الرئيس قبل نحو شهر من انتهاء ولاية سلفه. كانت هناك عملية تسلّم وتسليم في القصر بما يؤكد ان لبنان بلد فيه تداول سلمي للسلطة في منطقة لا مكان فيها سوى للانقلابات العسكرية ولشرعية لا علاقة لها بالشرعية.
كان الانقلاب العسكري، الذي تنبثق عنه سلطة مشوّهة، القاسم المشترك بين الانظمة القائمة في العراق وسوريا، وصولا حتّى ليبيا، في اساس كلّ من هذه الأنظمة انقلاب عسكري حصل في مرحلة ما. النظام السوري، على سبيل المثال امتداد للانقلاب الذي حصل في الثامن من آذار ـ مارس 1963. تطوّر هذا النظام وصولا الى تمكن حافظ الأسد من توريث سوريا لبشّار الأسد الذي اقام نظام العائلة الحاكمة المستند الى الطائفة الحاكمة.
هذا المسلسل، ذو الطابع الكارثي، يبرّر الى حدّ كبير قيام “مجلس التعاون لدول الخليج العربية” ويفسّر ديمومته منذ العام 1981.  ضمّ المجلس مجموعة دول ذات انظمة متجانسة، تجمع بينها وبين المملكتين في المغرب والأردن صفات كثيرة في مقدّمتها وجود توافق وتكامل وتصالح بين الأسرة الحاكمة والمواطن.
كان لبنان في الماضي استثناء. جاء الفراغ الرئاسي ليؤكد انّ هذا الاستثناء لم يعد قائما. هل بدأ العالم يتعوّد على لبنان الجديد، خصوصا بعدما جاء الرئيس فرنسوا هولاند الى بيروت، أي الى جمهورية من دون رأس؟
هناك تحولات في العمق يشهدها الشرق الاوسط والمشرق العربي تحديدا. قلبت هذه التحولات التي بدأت بالزلزال العراقي في العام 2003، موازين القوى في المنطقة، جعلت هذه التحولات من الاستثناء اللبناني جزءا من الماضي، صارت ايران اللاعب الاساسي في لبنان، اكثر من ذلك، صارت ايران من يقرّر ما اذا كان لبنان يستطيع انتخاب رئيس للجمهورية أم لا؟ كان لبنان الى مرحلة قريبة طائرا يغرّد خارج سربه، في عزّ الحرب اللبنانية، انتخب رئيس للجمهورية بشكل طبيعي، الى حدّ ما طبعا. كان ذلك في العام 1976، عندما خلف الياس سركيس سليمان فرنجيه الجدّ.
ما يكشفه الوضع اللبناني حاليا ليس التغيير العميق الذي طرأ على الوضع اللبناني. يكشف الوضع اللبناني فرنسا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام. لم يعد هناك من اهتمام بالوضع اللبناني الا من زاوية اللاجئين السوريين والارهاب. هناك خوف اوروبي من ازمة اللاجئين والارهاب، وهذا ما يفسّر كل هذا الاهتمام الاوروبي بلبنان، بكلام اوضح لم يعد من اهتمام بلبنان كنموذج للعيش المشترك بين المسلم والمسيحي في ظلّ دولة يحكمها القانون.   في الماضي القريب، كانت أوروبا لاعبا في لبنان والمنطقة، لم يعد من وجود لهذا الدور، وهذا ما يفسّر تظاهر هولاند، من دون ان يقنع ذلك أحدا، بقدرة فرنسا على التأثير في احداث الشرق الأوسط عموما ولبنان خصوصا.
ما الذي تستطيع فرنسا عمله في لبنان؟ الجواب بكلّ بساطة انّها لا تستطيع شيئا. هذا عائد الى ان لبنان سقط تحت هيمنة “حزب الله” الذي بات من حقّه ان يعتبر نفسه الممثل الشرعي الوحيد للجمهورية اللبنانية. يستفيد “حزب الله” من مؤسسات الدولة الى أبعد حدود من دون أن تكون لديه اية مسؤوليات يتحمّلها. يتحكّم بقراراتها على كلّ صعيد، ذهب الى سوريا لمقاتلة الشعب السوري بإذن ايراني من منطلق مذهبي بحت. لا تتجرّأ الدولة اللبنانية، التي استقبلت رئيس الجمهورية الفرنسية، على الاعتراض على تورط الحزب في الحرب التي يشنّها النظام على شعبه. لا تتجرّأ هذه الدولة على ادانة الدور الايراني في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري في المحافل الدولية،أو على اتخاذ موقف من ممارسات “حزب الله”، باسم ايران، في العراق واليمن والبحرين على سبيل المثال وليس الحصر.  في الواقع، ليست أوروبا وحدها العاجزة. هناك انكفاء اميركي عن الشرق الاوسط والخليج جعل اوروبا مكشوفة. كان هناك دور لأوروبا عندما كانت هناك ادارة اميركية فاعلة. هناك في الوقت الراهن ادارة اميركية، على رأسها باراك اوباما، تركت سوريا لروسيا تفعل فيها ما تشاء. واعتبرت في الوقت ذاته التوصل الى مصالحة مع ايران، بغض النظر عن ثمن هذه المصالحة وانعكاساتها على الحلفاء العرب، هدفا في حدّ ذاته.
ما الذي تستطيع فرنسا عمله للبنان في مثل هذه الاجواء وفي ظلّ هذه المعطيات؟ ليس في استطاعتها الكثير باستثناء تمنياتها الطيبة. وهذا يفسّر تكيّف فرنسوا هولاند مع الوضع اللبناني الجديد وإصراره على زيارة بيروت في غياب رئيس للجمهورية.
اقدم الرئيس الفرنسي على ما اقدم عليه على الرغم من معرفته ان لبنان لم يعد لبنان. يعرف خصوصا من يمنع انتخاب رئيس للبنان.
لم تبق لهولاند سوى سنة واحدة في قصر الاليزيه. هل هناك من يأخذه على محمل الجدّ؟ في النهاية، لا تفهم ايران سوى لغة القوّة. لا تستطيع فرنسا ممارسة اي ضغط على ايران، هذا واقع لا مفرّ من الاعتراف به. ما لا يمكن الاعتراف به الشعور العميق لدى اللبنانيين بأن العالم بات مهيّئا للتعامل مع البلد من دون رئيس للجمهورية.
هل آن تغيير النظام في لبنان؟ هل تقبل أوروبا بالهيمنة الايرانية على لبنان وبرغبتها في تغيير النظام السياسي فيه؟ هذا ما تطرحه زيارة هولاند للبلد بصراحة ليس بعدها صراحة في ضوء العجز الاوروبي ودور المتفرّج الأميركي. إيلاف.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية