العدد 2726
الجمعة 01 أبريل 2016
banner
الوداعي رجل الوسطية والاعتدال
الجمعة 01 أبريل 2016

  قبيل أيّام رحل عن عالمنا رجل الدين المعتدل والمنفتح السيد جواد الوداعيّ. وهو من الشخصيات الدينية البارزة والنادرة ممن يقاسمون الناس هموهم ويشاركونهم أفراحهم ويواسيهم في أحزانهم رغم ثقل السنين ووطأة المرض. الأغرب أنّ هذا السلوك الانساني الرفيع لم يكن قاصرا على طبقة رجال الدين وحدها ولا الطبقة الميسورة بل البسطاء من الناس، ومن النادر جداً ان يكون غائباً عن أية مناسبة دينية أو اجتماعية.
 كان الراحل الكبير يعد بين قلّة من رجال الدين ممن أعطوا العمامة والجبة معناهما، لم نلحظ أو نسمع عن شخصيات دينية اخرى نهضت بالادوار الاجتماعية المتعددة التي نهض بها السيد الوداعيّ. ونعتقد أنه كان ينطلق من قاعدة باتت متجذرة في نهجه مؤداها مزجه بين العمل العبادي والعمل الاجتماعيّ العام الأمر الذّي يستدعي الى اذهاننا استيعابه مفهوم الدّين بطريقة حضارية عميقة ورحبة.
لذا لا نستغرب إطلاقا كل هذا الطوفان الحاشد من المعزين الذين توافدوا طيلة أيّام العزاء، أمّا الاسباب فإنّها في غاية البساطة لأنه كان قريبا من الجميع ولأنه كان اباً للجميع. انّ مثل الوداعيّ ممن ملأ حياة الناس محبة وعطاء فإنه لا يموت منه سوى الجسد ومن كان مثل الوداعيّ ثراءً روحيا بعيد المدى يصبح موته حياة لا تموت. انّ القيمة الحقيقية لشخصيته هي في قدرته الحقيقية على التواصل مع الجميع وكسر الحواجز الوهمية وهذا ما جسده الراحل بعطاء بلا حدود.
 وفوق كل هذا فإنّ السيد الوداعيّ كان من رجالات الدين الاستثنائيين العابرين للطوائف والجماعات . فلم ينجرف يوما ما الى هدير الشحن الطائفيّ البغيض، من هنا فإنّ كلمات الرثاء بحق قامة كالراحل نوع من الرثاء للوطن نفسه. ويمثل لنا غياب انسان بحجمه اشبه بنهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى، ورغم فداحة الخسارة التي منيت بها الساحة جرّاء الفراغ الذي خلفه رحيله فإنّ الّذي يعزينا نحن الذّين احببنا السيد هو ايماننا وقناعتنا بأنّ من نحبهم لن يكونوا مخلدين الى الأبد فالخلود لله وحده سبحانه وليس ثمة أحد من الكائنات سينجو من الغياب ذلك أنّ الموت هو الحقيقة المعلومة المجهولة التي لا يمكن لأحد ان يجادل حولها.
 يجدر بنا ونحن إزاء سيرة هذا الانسان الفاضل أن “الوداعي” كان لجميع القريبين منه ضدَ التبجيل والتقديس المبالغ فيهما وهو ما يجعلنا نتذّكر قامة دينية كالراحل الكبير السيد محمد حسين فضل الله الذي ارسى منهجا رائعا في البساطة والوسطية والتسامح.   نعتقد انّ رحيل الوداعي في هذه الظروف الصعبة سيخلف فراغا على الصعيد الاجتماعي بوصفه من القيادات المعتدلة ممن عملوا بدأب شديد على ترسيخ وشائج التكاتف والتلاحم كمنهج اصيل وربما تجهل الاكثرية انّ الراحل ممن وضعوا نصب أعينهم تقريب وجهات النظر بين الفرقاء انطلاقا من المسؤولية الدينية والاجتماعية التي يحملها واستشعارا بأنّ المجتمع لن يقدر له أن ينهض الاّ بالتواشج بين افراده، ولأنه ببساطة شديدة عاش هموم مجتمعه فكان لابدّ من تأدية الرسالة.
 الذي نستوحيه من سيرة هذا الانسان - نحن أبناء هذا الجيل كما الجيل الذي سبقنا – أنّ الدين هو المحبة وكم كانت كلماته - وهو المقلّ في الكلام - تنساب بعفوية بالغة الى القلوب بعد أن سئمت العبارات الجافة والمتصنعة.
 رحم الله السيد جواد الوداعيّ ولا شك انّ رحيل العلماء والمصلحين ودعاة الاعتدال خسارة محزنة، وعلى روحك السلام يا سيد المحبة والتسامح.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية