اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة.. لا تهملوا التشخيص
استشاري الطب النفسي د. ريتا انطونيوس
يتحرك كثيرًا حولك، قد تشعر بالانزعاج، فالأعين تلاحقك في كل مكان، تحاول أن تفهم ماذا يحدث، أحيانًا تعتقد أن هذا طبيعي، فالأطفال كلهم متشابهون في الحركة، ولكن هل سألت نفسك هل هذا طبيعي؟
في موقف آخر، ترى طفلًا صغيرًا يجلس على مقعد الصف، شارد الذهن، بينما معلمته تشرح وتكتب على السبورة البيضاء، قد تعتقد أن شرود ذهنه طبيعي، فهل هو ذلك بالفعل؟
وفي موقف آخر ترى شابا في مقتبل العمر حصل على وظيفة مرموقة ومتزوج ولديه ابنان، ترى أن حياته طبيعية، إلا أن سرعان ما تسمع عنه أنه قدم استقالته وطلق زوجته لأسباب واهية ولا تستدعي الاستقالة والطلاق، فهل هذا طبيعي؟
هي مواقف نشاهدها ونسمع عنها في حياتنا ربما يوميًا، لكن هل تعلم أن هؤلاء مصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة الذي يطلق عليه (ADHD)؟ حتى الشاب الذي طلق زوجته وقدم استقالته، فهذا النوع من الاضطراب إذ لم يشخص مبكرًا ويعالج سيعاني منه الفرد طوال حياته، فسيعاني من القلق والتوتر والاكتئاب وربما قد ينهي حياته بسبب الاندفاعية وقراراته المصيرية الخاطئة.
مستشفى الإرسالية الأميركية يولي اهتمامًا بالمصابين بهذا النوع من الاضطراب؛ لأنه قد يؤثر على حياة الفرد البالغ في حال عدم اكتشافه وتشخصيه في الصغر. ولهذا أكدت استشاري الطب النفسي د. ريتا انطونيوس في مستشفى الإرسالية الأميركية أن نسبة الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة تبلغ 5 % بين كل 100 طفل، وهذه النسبة العالمية، إلا أنه يجب معرفة المؤشرات التي تدل على أن الطفل مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة .
جاء ذلك خلال لقاء «صحتنا في البلاد» مع د. ريتا انطونيوس في مستشفى الإرسالية الأميركية، وفيما يلي نص اللقاء...
ما نسبة الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة؟
وجدت البحوث والدراسات أن 5 % من أصل 100 طفل يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة، وقد لا يشخص هؤلاء الأطفال لاعتقاد الأهل أن الطفل مهمل وغير مهتم ويعاني من الكسل وقد يكون لديه مشكلات سلوكية أخرى، في حين يتم الإغفال عن المشكلة الأساس الأهم، وهي أن الطفل قد يكون يعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة.
هل نشهد زيادة في عدد الحالات حديثا؟
لا يوجد زيادة، فالنسبة ثابتة وهي إصابة 5 % من أصل 100 طفل باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة، ولكن حاليًا هناك وعي بأهمية التشخيص ولا يقتصر ذلك على الأطفال الصغار، إذ إن هناك إقبالا من الكبار المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة لتشخيص حالاتهم.
متى يمكن تشخيص الطفل أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة؟
يمكن تشخيص الطفل في عمر 4 سنوات. قد تكون بعض المؤشرات أكثر وضوحًا في عمر 8 سنوات، إلا أنه بالإمكان تشخيص الطفل على أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة في عمر 4 سنوات.
ما المؤشرات التي تدل على أن الطفل مصاب بهذا الاضطراب؟
هناك العديد من المؤشرات وتنقسم إلى قسمين، فقد يكون الطفل يعاني من مشكلة في التركيز أو قد يعاني من الاندفاعية والحركة الزائدة، وقد يكون يعاني منهما جميعا، وقد تظهر مشكلة الحركة الزائدة في عمر الأربع سنوات عندما يلاحظ الأهل أن الطفل لا يقوم باللعب بالطريقة الهادئة، أو عدم قدرته على الانتظام أو لا يمكنه انتظار دوره في اللعب أو الأمور التي تتطلب الانتظار، وتعرضه لكثير من الحوادث.
أما فيما يتعلق بمشكلات التركيز فقد تكون واضحة بشكل كبير في عمر 8 سنوات، إذ يعاني الطفل من عدم قدرته على إكمال حل الواجب الذي يجب أن ينتهي منه في مدة قصيرة، إضافة إلى أن الطفل المصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة كثير النسيان، يعاني من عدم الإحساس بالوقت، فقد يعتقد أنه قضى يوما كاملا في حل واجباته بينما هو لم يستغرق 30 دقيقة، وقد يعتقد أنه لعب فقط 15 دقيقة أمام ألعاب الفيديو بينما يكون قد لعب أكثر من ذلك بكثير، فالطفل المصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة لا يشعر بالوقت. كما يعاني الطفل في هذه الحالة من عدم القدرة على تنظيم الأولويات حتى بعد مرحلة البلوغ.
كما أن الطفل لا يمكنه التركيز لأكثر من 5 دقائق، إذ إنه يعاني من تشتت الانتباه، ما قد يسبب له تأخرا دراسيا على الرغم من أنه يملك ذكاء طبيعيا.
متى يمكن أن يطلق على الطفل أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة؟
لا يمكن أن يطلق على أي طفل أنه مصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة لمجرد وجود مؤشر واحد فقط، إذ لابد من وجود 6 مؤشرات تدل على عدم التركيز والحركة الزائدة والاندفاعية، على أن تكون هذه العوارض مؤثرة على حياته في المدرسة والمنزل وتسبب له تأخرا في التواصل الاجتماعي.
كيف يمكن تشخيص الطفل المصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة؟
في معظم الأوقات يمكن أن يشخص الطفل من المدرسة، باعتبار أن الطفل يقضي معظم وقته فيها، فقد يشتكي المعلم من كثرة حركة الطفل وعدم تركيزه، وعند ذلك يمكن اللجوء إلى طبيب الأطفال أو طبيب الأعصاب أو الطبيب النفسي. عند المراجعة نحرص على متابعة الطفل لمدة نصف ساعة وبعدها يتم تقييم الأمور مع الأهل وتقييم الطفل في المنزل.
في هذه المرحلة من الضروري معرفة ما إذا كان الطفل يعاني من كهرباء زائدة في المخ أم لا؛ فهذه الكهرباء قد تسبب له مشكلات في التركيز، وفي حال عدم وجود هذه المشكلة يتم إجراء بعض فحوصات الدم المخبرية للتأكد من عدم وجود مشكلات في الغدة الدرقية وعدم وجود نقص في الفيتامينات.
نلجأ بداية للبحث عن الأسباب العضوية التي قد تكون وراء اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة، وفي حال عدم وجود مرض عضوي يتم تقديم العلاج النفسي والسلوكي.
ما أضرار عدم التشخيص؟
يعتقد البعض أن اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة يمكن أن يعالج من تلقاء نفسه وقد يختفي ولا حاجة لعلاجه، وقد يعتقد الأهل أن الطفل كثير الحركة سيهدأ بعد مرور الزمن، ويعتقدون أن الطفل الذي يعاني من عدم القدرة على التركيز سيتحسن أيضًا بعد مرور الزمن، لذا فإن البعض يرفض التشخيص والعلاج، لكن في الواقع أن حال الطفل سيتدهور في المستقبل في حال عدم علاجه مبكرًا، فالطفل كثير الحركة اليوم قد تتوقف حركته مستقبلًا، إلا أنه سيكون كثير الاندفاعية، فقد يعرض حياته للخطر بسبب الاندفاع الذي يعاني منه، إضافة إلى أن الطفل الذي يعاني من تشتت الانتباه وعدم التركيز لن يكون قادر على الاستقرار في وظيفته مستقبلًا.
إن رفض تشخيص وعلاج الطفل مبكرًا له أضرار كثيرة، وهذا ما نراه حاليًا، ففي السابق لم يكن هناك تشخيص إلى العديد من الأطفال ما أدى إلى وجود العديد من المشكلات لديهم حاليًا، فهناك العديد من حالات الطلاق بين المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة، لعدم قدرتهم على مواصلة الحياة الزوجية واندفاعهم وعدم قدرتهم على أخذ قرارات سليمة، فضلًا عن وجود حالات استقالة من العمل بين هذه الفئة لعدم قدرتهم على إكمال مهامهم العملية.
إن كل هذه الحالات يمكن تجنبها بالتشخيص المبكر والعلاج، فعلاج المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة سيمكّنهم من عيش حياتهم مستقبلًا بسهولة ويسر من دون أي مشكلات أيضًا، فقد يصبح هؤلاء المصابون أطباء ومهندسين ومعلمين ومحامين إذ ما تم تشخيصهم مبكرًا.
وعدم تشخيص هذه الحالات سيسفر عنه العديد من المشكلات في حياتهم المستقبلية، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إصابتهم بالقلق والتوتر والاكتئاب وقلة الثقة بالنفس، وقد يلجأ البعض منهم إلى المسكرات من مخدرات وكحول للتغلب على هذه المشكلة، وقد يؤدي إلى الانتحار أيضًا.
وعدم تشخيص هذه الحالة يجعل الشاب الذي يعاني من اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة معرضا إلى الموت في الحوادث بنسبة أكثر من غيره بسبب الاندفاعية، وأخذ قرارات مصيرية من دون تفكير.
هل اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة وراثي؟
أثبت العلم أن اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة وراثي بنسبة 100 %، إذ إن العديد من الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة لديهم آباء وأمهات يعانون من هذا الاضطراب، وبأحيان كثيرة لم يشخص هؤلاء الأبناء والأمهات ويتم تشخيصهم بعد معرفة إصابة الطفل، إضافة إلى أنه في حال إصابة أحد الإخوة بهذا الاضطراب فإن الطفل الثاني معرض للإصابة به، لذا فإن الوراثة تلعب دورًا في الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة. كما أن نسبة الإصابة بين الأطفال تزداد عند الزواج من الأقارب بنسبة 10 %.
هل هناك أسباب تقف وراء الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة غير العامل الوراثي؟
وجد أن اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة مرض جيني في الدماغ يحدث بسب انخفاض الدوبامين، وهي المادة التي تتحكم في الذاكرة والانتباه والتخطيط والتنظيم.
هل يمكن أن يرافق اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة اضطراب آخر؟
نعم، فهذا النوع من الاضطرابات يمكن أن ترافقه العديد من الاضطرابات كصعوبات التعلم، والتوحد، والقلق ومشكلات النوم.
ما العلاج المتبع لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة؟
يعتمد علاج الحالات على حدة النوبات، فقد تكون النوبات خفيفة ولا يحتاج فيها المصاب بالاضطراب إلى الدواء، ويكون بحاجة إلى العلاج الانشغالي أو السلوكي.
أما إذا كانت الأعراض متوسطة إلى شديدة فقد نلجأ إلى العلاج الدوائي بنسبة 70 %، والعلاج السلوكي بنسبة 30 %، وقد يعتقد البعض أن الأدوية تسبب الإدمان إلا أن ذلك ليس صحيحا، إذ يمكن أخذها عند الحاجة وهو وقت ذهاب الطفل إلى المدرسة فقط، في حين يمكن التوقف عنها أيام الإجارة، إضافة إلى أن مفعول الدواء يمتد لـ 12 ساعة، وخلال هذه الساعات يكون الطفل واثقا من نفسه، يستطيع التحكم في الاندفاعية، كما أنه سيساعده على التركيز أثناء الدراسة. ولا بد من التركيز على أن الدواء لا يوصف إلا من طبيب مختص ويكون تحت إشراف الطبيب.
أما العلاج الانشغالي فيكون من خلال اللعب الفردي والجامعي وتنظيم الوقت والعمل على زيادة التركيز لتجنب تشتت الانتباه، كما أن العلاج الانشغالي يكون بتعليم الطفل بعض المهارات الاجتماعية من خلال العلاج النفسي.
ما العلاج المقدم للمصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة من الكبار؟
بسبب تأخر التشخيص وبلوغ مرحلة الشباب فإن العلاج يكون دوائيا ونفسيا، لأن الاضطراب يكون قد وصل لمرحلة متقدمة، وفي هذه الحالة يكون العلاج دوائيا، كما قد يحتاج المصاب في هذه الحالة إلى أدوية مضادة للاكتئاب إذا كان يعاني منه، وقد يحتاج البعض إلى أدوية لزيادة نسبة التركيز.
هل يمكن أن يعيش المصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة مستقبله بشكل طبيعي؟
نعم، إذ تم تشخيصه مبكرًا فإنه قادر على عيش حياته بشكل طبيعي ومن دون مشكلات ودون الإحساس بالاندفاعية أو القلق أو الاكتئاب أو تشتت الانتباه وعدم التركيز، فالمصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة قادر على أن يتبوأ مناصب عليا والزواج وإنجاب الأطفال من دون أن يكون يعاني من مشكلات نفسية إذ تم علاجه مبكرًا.
ما النصيحة التي تقدمينها للأهل؟
من المهم التشخيص المبكر عند وجود أحد المؤشرات التي تدل على الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة، وفي حال تم تشخيص الطفل بالإصابة بهذا النوع من الاضطراب على الأهل وقف التعليقات الجارحة، فهي تؤثر على شخصيته. وعلى الأهل بدء متابعة الطفل في المدرسة ومعرفة مدى تطوره دراسيًا وسلوكيًا. كما على الأهل أيضًا تحديد وقت إلى الأجهزة الإلكترونية والتلفزيون، إذ إنها تؤثر على التركيز، كما أن الطفل يحتاج إلى التفاعل للحصول على المهارات الاجتماعية.
وفي الختام أركز على أن اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة لن يختفي بنفسه كما يعتقد البعض؛ فالحركة الزائدة التي تشتكي منها الأم لن تتوقف مع مرور الزمن، فإن توقفت فإنها ستتحول إلى مشكلات نفسية أخرى، وتشتت الانتباه لن يختفي بعد سنوات من تلقاء نفسه، فقد يتحول أيضا إلى مشكلات نفسية أخرى، لذا فالتشخيص المبكر أمر ضروري، ولا بد من تقديم العلاج على يد طبيب مختص في هذا المجال لضمان أن طفل اليوم المصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والحركة سيكون مستقبلًا شابا منتجا قادرا على العطاء في المجتمع، فعدم علاج طفل اليوم سيكون له تأثير على الوالدين وعلى المجتمع مستقبلًا.
أعراض تشتت الانتباه
• يفشل الطفل في إيلاء اهتمام وثيق للتفاصيل أو يقوم بأخطاء طائشة في العمل المدرسي.
• يواجه مشكلة في التركيز على المهام أو اللعب.
• يبدو غير منصت، حتى عندما يتم التحدث إليه مباشرة.
• يواجه صعوبة في متابعة التعليمات ويفشل في إنهاء العمل المدرسي أو الأعمال المنزلية.
• يعاني من مشكلات في تنظيم المهام والأنشطة.
• يتجنب أو لا يعجب بالمهام التي تتطلب مجهودًا عقليًا مركزًا، مثل الواجب المنزلي.
• يفقد العناصر اللازمة للمهام أو الأنشطة، على سبيل المثال، الألعاب والتكليفات المدرسية وأقلام الرصاص.
• يتشتت انتباهه بسهولة.
• ينسى القيام ببعض الأنشطة اليومية، مثل نسيان القيام بالأعمال المنزلية.
أعراض فرط النشاط والاندفاعية
• يتململ أو يقرع بيديه أو قدميه أو يتلوى في المقعد.
• يجد صعوبة في الجلوس في الفصل أو المواقف الأخرى.
• يستمر في التحرك، بحركة ثابتة.
• يجري بالجوار أو يتسلق في مواقف لا تناسب فعل ذلك.
• يجد صعوبة في اللعب أو القيام بالأنشطة بهدوء.
• يتحدث كثيرًا.
• يتسرع بالإجابة ويقاطع السائل.
• يجد صعوبة في انتظار دوره.
• يقطع على الآخرين حديثهم أو ألعابهم أو أنشطتهم أو يتطفل عليهم.