العدد 2164
الأربعاء 17 سبتمبر 2014
banner
إغلاق قناة الجزيرة ليس الحل أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 17 سبتمبر 2014

قبل كل شيء وقبل التأويل ومحاولة إثارة الفتنة التي ينتهجها البعض فإنه لابد من القول إنني شخصيا لست مع النهج السياسي الذي تسير عليه قناة الجزيرة في بعض جوانبها، ولكن ذلك لا يعني بحال من الأحوال أن الخط الاجتماعي المنتهج من قبل القناة بكامله بعيد عن الصواب أو الحق، لأن ذلك حكم يتسم بالشمولية غير الدقيقة التي تصل إلى أن تكون ظالمة.
ثم إنه من المفترض علينا التمييز بين كيان كبير تمثله هذه القناة الإخبارية تم بناؤه على مدار السنوات السابقة ووضع صورة العالم العربي عالميا أكثر بكثير من أي نظام عربي وبين سياسة يمكن أن ينتهجها بعض القائمين على القناة لأي سبب من الأسباب، فالسياسة يمكن تغييرها أو تعديلها أو قلبها ربما رأسا على عقب، والطاقم يمكن استبداله أو تعديله عن طريق التطعيم، ولكن الكيان ذاته من الصعب استبداله بشيء مماثل لو تم إغلاقه، لأن الاسم يبنى عن طريق الفعل على مدار سنوات طويلة، أما هدمه فيمكن أن يتم بقرار وبجرة قلم ليس أكثر.
نعرف أن كثيرين يتخذون حاليا موقفا سلبيا من قناة الجزيرة الإخبارية خصوصا بعد الموقف غير الإيجابي الذي سارت عليه بخصوص مصر بالذات والأحداث العربية بصورة عامة، وربما بسبب هيمنة فئة معينة على سياسة هذه القناة في الفترة الأخيرة، ولكن ربما تكون هذه الفئة وغيرها قد هيمنت على دول بكاملها ومجتمعات ولم نطلب شطب هذه الدول أو المجتمعات من الخارطة ولم نطلب إلغاءها من الحياة بسبب ذلك، بل تم التعديل والمطالبة بالتعديل مع بقاء الجسم ذاته دون مساس، بالتالي لماذا نطالب بإغلاق القناة ولا نطالب بتعديل سياستها بدلا من ذلك؟
هناك من يرى ويعتقد هيمنة جماعة الإخوان على سياسة الجزيرة مؤخرا وربما لسنوات سابقة، وينسى أو يتناسى أن هذه الجماعة هيمنت على المجتمع المصري وبعض المجتمعات العربية في فترة من الزمن، بل هيمنت على الدولة المصرية بكاملها لفترة قصيرة، ولا يريد ان يفهم في نفس الوقت أن سياسة أي كيان إعلامي تقوم على فكر قيادته والطاقم العامل فيه الذين هم جزء من المجتمع وليس على الكيان نفسه، وهو بالتالي يخلط بين الاثنين ولا يحاول التمييز بينهما، ولا يريد أن يفهم أن التغيير سنة كونية تحدث بدون هدم بل بالبناء الإيجابي، او ان السياسة غير السليمة حين تدخل من الباب فإنها تطرد أمورا أخرى مهمة من النافذة، وأن المطالبة بإغلاق القناة ليست أكثر من رغبة سياسية يسير عليها البعض لا أكثر.
حتى في الدول الطبيعية والديمقراطية نرى أن البرلمانات حين تمارس عملها توجه النقد الذي يصل إلى التجريح حين ترى جنوحا عند بعض الجهات التنفيذية وتقيل وزراء ولكنها لا تقيل الوزارات ذاتها، بل تطالب بتغيير قيادتها مع الإبقاء على الكيان المادي دون أن يمس، وهو الأمر الصحيح الذي من الواجب التفكير فيه والعمل من خلاله وليس الإسراع في الهدم الكامل للكيان ذاته.
من غير الصحيح سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، بل وحتى ثقافيا، أنه كلما رأينا أمورا سلبية في كيان جيد نبادر بهدم الكيان ولا نحاول تعديله، وقناة الجزيرة تحمل كيانا ومخزونا ثقافيا وإعلاميا كبيرا يمكن ان يحمل فائدة كبيرة للوطن العربي بكامله، وبدلا من المطالبة بهدمها كما نشاهد الآن، فإن الأجدى والأهم تقويمها وتعديل سياستها وبناء مكونات مماثلة تعين الوطن بكامله ويستفيد منها المواطن العربي الباحث عن الحقيقة والمعرفة.
شخصيا أود أن تعود الجزيرة إلى ما كانت عليه أو ما نود ان تكون عليه بما يكرس خدمة السياسة الشعبية العربية، وتطوير الثقافة الشعبية العربية، وإيصال المعلومة إلى المواطن العربي الذي يفتقد القدرة على الحصول عليها... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .