العدد 2150
الأربعاء 03 سبتمبر 2014
banner
عن أية ديمقراطية يتحدثون؟ أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأربعاء 03 سبتمبر 2014



كما هو الحال في مجال الإعلانات التي تنتجها وتبثها شركات انتاج المواد والسلع المختلفة أو المشاريع المتعددة، نجد أن ما يحويه الإعلان يصور المنتج أو المشروع تصويرا جذابا يناغي رغبات المستهلك ويصور له المنتج في صورة مثالية يدفع به لمحاولة اقتنائه، ولكن ما إن يذهب الواحد منا للحصول على ذلك المنتج أو السلعة حتى يكتشف الحقيقة التي تقول بوجود الكثير من المساوئ التي يخفيها من أنتجها ويعرف أن ما كتب في الإعلان ليس هو الحقيقة بل ما يراد أن يفهمه المستهلك صاحب المصلحة النهائية في الاستخدام.
هذا هو حال النظام العربي تقريبا، بل وحتى نكون صادقين الكثير من الأنظمة الأخرى المشابهة، فهي جميعها تستخدم مصطلح الديمقراطية استخداما إعلانيا، بمعنى التسويق المكتوب والمنشور بوجود الديمقراطية في النظام وإصرار أي نظام على السير فيها وتطويرها وصيانة الحقوق والحريات في المجتمع وكل ما يشمله أي نظام من المفترض أن يكون نظاما ديمقراطيا من عناصر الحالة الديمقراطية، ولكن عندما يريد المواطن العربي ممارسة حقه في تلك الديمقراطية يكتشف الحقيقة الغائبة المغيببة وهي أن كل ما قيل عن الحالة الديمقراطية لم يكن في حقيقته إلا مجرد نوع من الإعلان التجاري وأن الممارسة الديمقراطية في الحقيقة ليست كما هي مكتوبة أو كما يتم الترويج لها، وإنما هي مجرد صورة يريد النظام تسويقها وإدخال السعادة الشكلية على نفوس مواطنيه الذين عليهم أن يرضوا بها نظريا دون ممارستها عمليا.
نظامنا العربي يضع وبصورة مستمرة خطوطا يسمونها حمراء على كل شكل من أشكال الديمقراطية، فهو إن أعطاك الحق في الحصول علي شيء فإن حصولك عليه لا يتجاوز مدى محددا يضعه النظام، وإن سمح لك بالتجوال في بلدك فإن تجولك يكون محدودا بأماكن معينة لا تتجاوزها لأماكن كثيرة لا يريد لك الاقتراب منها أو حتى رؤيتها، وإن سمح لك بالحديث وأحيانا بالنقد فإن ذلك الحديث أو ذلك النقد عليك ألا تتجاوز من خلاله خطا وهميا يضعه النظام ولا يريد تجاوزه، وربما يمنعك أحيانا من الحديث في الشأن العام الذي هو أساس من أسس حرية الرأي الذي يشكل بندا رئيسيا من بنود ومكونات الديمقراطية، هذا الحق على الرغم من عموميته يكون محاطا بخطوط حمراء لا يحق لك تجاوزها إن أردت أن تكون عضوا منتجا وصالحا في المجتمع.
يتعامل معك وكأنك طفل صغير غير مدرك، لك الحق أن تلعب في حدود معينة لا تبتعد عنها وتتعرض للتأنيب وأحيانا الضرب إن حاولت تجاوزها لأنه يرى في هذا التجاوز خطأ كبيرا أقدمت عليه، فالمواطنون جميعهم في نظره كالأطفال غير المدركين وهو يتحمل المسؤولية عنهم وعن سلامتهم، بالتالي عليهم أن يلعبوا في حدود معينة يراهها ويرسمها لهم لا أكثر من ذلك.
نظامنا العربي غير مدرك للكثير من الحقائق التي من أهمها أن هناك من حوله الكثير من المواطنين العاديين من يفهم كثيرا ويعي كثيرا مما يحدث حوله وقادر على التمييز كإنسان سوي كامل الأهلية وليس ناقصها، وأن الوطن ليس بحاجة لعباقرة يفهمون كل شيء أكثر من المواطن العادي صاحب المصلحة الحقيقية في كل شيء والذي من المفترض أن يكون النظام في خدمته ليس العكس.
الكل يتحدث عن الديمقراطية وينادي بها ولكن لا ندري عن أية ديمقراطية يتحدثون، صاحب المصلحة الحقيقية وهو المواطن ينادي بها ويسعى لها فعليا وجديا، أما النظام العربي فيتحدث عنها وينادي بها نظريا وليس فعليا، فالطرفان يلتقيان في نقطة معينة ويفترقان في الطريق والنتيجة... والله أعلم.
 

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .