العدد 2147
الأحد 31 أغسطس 2014
banner
زرع الفتنة أو الحرب من الداخل أحمد سند البنعلي
أحمد سند البنعلي
ومضات
الأحد 31 أغسطس 2014



لا يمكن نسيان أن الولايات المتحدة الأميركية استخدمت هي وغيرها الكثير من العملاء في العراق قبل الغزو وبعده - وهي تستخدمهم في كل مكان -، وكان من ضمن ذلك الاستخدام ما حدث من إضعاف وإنهاك للمقاومة الوطنية حين تم تكوين ما أطلق عليه بعد الغزو بسنوات قليلة اسم “الصحوات” التي تم استخدامها من قبل الغزو والنظام العراقي الحالي لضرب المقاومة الوطنية والحرب التي تشنها على الاحتلال والنظام الذي صنعه ذلك الاحتلال، والحجة في ذلك كانت كما هو معروف “القاعدة”، فقد تم استخدام ذلك الاسم لتحريض المستعدين حينها من بعض القبائل العربية ومن تم شراؤهم من زعاماتها لمحاربة المقاومة التي كانت جزءا من تكوينهم، بمعنى خلق حرب بين التكوين الوطني الواحد عن طريق عملاء في ذلك التكوين.
ومن أجل الحق يجب القول إن هذا الأسلوب ليس من خصائص وصفات الولايات المتحدة الأميركية فقط ولكنه وسيلة قديمة متجددة في كل العصور والأماكن وتمارسها الكثير من الدول وأجهزتها المخابراتية، وهي ليست حكرا على منطقتنا العربية فقط فقد رأيناها في كوبا ودول أميركا الجنوبية واللاتينية وفي بعض دول آسيا والدول الأفريقية وفي أوروبا ذاتها بين بعضها البعض، بالتالي العمالة المرتبطة بالخسة والدناءة متوفرة في كثيرين ممن يرتضون بيع أنفسهم للغير والإضرار بأقربائهم وبني وطنهم وتدمير أوطانهم من أجل فتات يرمى لهم، حالهم لا يبتعد عن الحيوانات التي لا تدري ما تفعل بل ترى ما يرمى لها فتجري نحوه حتى إن كان فيه حتفها، وهو ما رأيناه في العراق حين تم تشكيل الصحوات فساهمت كما قلنا في إضعاف المقاومة الوطنية التي لم تنته حتى الآن.
على نفس النمط نجد ما يمارسه العدو الصهيوني على أرض فلسطين في غزة حاليا وقبل ذلك في لبنان وتونس وغيرها والتي يستحيل عليه الوصول إلى أي من قادة المقاومة فيها أو عناصرها الحركية المؤثرة بدون دعم محلي له يقوم به عملاء عرب فلسطينيون وغير فلسطينيين يوجهونه ويقدمون له المعلومات المطلوبة للوصول إلي تلك العناصر الوطنية التي يريد، والقصص كثيرة تلك التي تتحدث عن التوجيه عن بعد لاغتيال من يسعى العدو الصهيوني وراءه، أو الوصول إليه بعد المتابعة والتعقب عن طريق العملاء.
في تجسيده للفكر التفريقي التمزيقي نرى مؤخرا الرئيس الأميركي “باراك أوباما” يدعو إلى أن يكون (للسنة) في العراق الدور الرئيسي في محاربة ما يسمى “داعش” كما حدث بالضبط من قبل مع الزرقاوي والقاعدة، ليس لأن سنة العراق هم الذين يمثلون الجزء الوطني في المعادلة فقط، فشيعة العراق العرب البعيدون عن الاحتلال الأميركي أو الإيراني كذلك وطنيون عراقيون يرفضون الاحتلال، وعلى نفس النمط هناك سنة عراقيون ساروا في طريق الاحتلال ودخلوا بالتالي في صف اللاوطنية، بل العمالة، ولكن ما يهمنا في هذا المقام أن المقاومة بالأساس متواجدة عند القبائل العربية غرب العراق أكثر من أية منطقة أخرى وهي التي يدعو الرئيس الأميركي لأن يكون لها الدور الرئيسي في محاربة “داعش” ليس خوفا من “داعش” ولكن تفتيتا للموقف الوطني المحارب للاحتلال في تلك المناطق وفي العراق أساسا.
هؤلاء العملاء يمكن أن يكونوا على صور كثيرة ومتعددة، وهم ليسوا بالضرورة ممن يقبضون مقابل المعلومة، وهؤلاء كثيرون بطبيعة الحال ويعملون بصورة فردية ولا فائدة ترجى منهم وليس لهم غير الكشف والعقاب المستحق، ولكن قد يكون منهم من يعتقد بخدمة هدف نبيل أو غاية سامية أو مبدأ يؤمن به أو غير ذلك من الأسباب المتعددة والكثيرة التي يكون بها بيع الوطن ومن عليه، وهؤلاء من العاملين بصورة جماعية منظمة، فهم بمثابة الطابور الخامس المستعد دائما للبيع وتقديم الخدمات اللازمة المجانية أحيانا، وهؤلاء ممن يجب النظر إليهم وفهم دوافعهم وعلاجها إن أمكن من الداخل أو من الخارج... والله أعلم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .