العدد 2208
الجمعة 31 أكتوبر 2014
banner
“حتــى الملائكــة تســأل” خالص جلبي
خالص جلبي
الجمعة 31 أكتوبر 2014

في كتاب "حتى الملائكة تسأل" بقلم "جيفري لانج" أستاذ الرياضيات الأميركي يذكر فيه أنه سأل والده حينما كان طفلاً: يا أبت هل تعتقد بالجنة والنار؟ أجاب: أما الجنة فلا علم لي بها أما جهنم فقد رأيتها. ووضع العالم العربي اليوم مثل المريض المدنف يصحو على نزف وينام على اختلاط دون عناية مشددة وأطباء. ويعرف كل من حوله أنه مريض، ويعرف كل من حوله أنه لا يعرف طبيعة المرض أو نوع الدواء. والجميع بين خائف وحزين ويائس.
وفي المحطات الفضائية يرتدي مقدمو البرامج ملابس السحرة، فيدمدمون ويسجعون ويجري الحديث عن اعتذار ومصالحات عربية كمن يعالج الأيدز بالبخور. وهو ليس انتقاصا من قدر البخور سوى أنه ليس في مكانه. ذلك أن مرض الغدر لا يعالج بالكلام. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون، ويمضي التاريخ وفق قوانينه الخاصة، ومضت سنة الأولين.
وقبل دخول الألفية الثالثة سألتني مجلة الرجل ثلاثة أسئلة عن أهم الرجال والأحداث في فترة الـ 500 عام الماضية. والعقد الفائت والعقد القادم. وكان جوابي أن ما حدث خلال القرون الخمسة الفارطة واضح؛ لأنه ظهر أثر أولئك الرجال مثل "كوبرنيكوس" الذي قلب النظام الكوني، و"ديكارت" الذي قلب عقولنا بمنهج الشك الذي يقود لليقين.
و"دارون" الذي أعطانا مفهوماً جديداً لمعرفة نشأة الحياة وتطورها، و"غاندي" الذي أحيا منهج الأنبياء وهو قهر الخصم بالحب دون قتله، و"كولومبوس" الذي قلب خرائط العالم ومعها أقدار الشعوب وقفز الصليبيون الفقراء إلى واجهة التاريخ، ملكوا البحار والثروات ومؤسسات البحث العلمي ومصارف المال، ويعلن في ديسمبر 2002م عن استنساخ أول طفل في تاريخ الطب في أميركا، وتبنى لأحفاد ريتشارد قلب الأسد بيوت في القطب الجنوبي والقمر والمريخ.
أما رجال العقد الفارط فيختلف قدرهم من زاوية رؤيتهم مثل ماري روبنسون في حقوق الإنسان أو بروز تيار الإصلاحيين في إيران مع خاتمي، حتى رأينا النكسة على يد الملالي مع شهوة التوسع وقتل الأطفال السوريين، أو انهيار حلم الوحدة العربية، أو ولادة داعش وحالش وهبوب عاصفة طائفية تنذر بالعودة إلى ظلام العصور الوسطى، ولا غرابة فنحن نعيش في الزمن المقلوب، نحن نعيش عام 1435 ميلادي وليس هجريا، أيام الطاعون والدبل والقمل والضفادع والدم والأمراض والقذارات والحروب المذهبية والأفرنجي قبل اكتشاف البنسلين.
وتبقى أصعب الأسئلة في العقد الذي دخلنا فيه. ولكن الشيء المؤكد فيه هو بروز عصر الملكيات العربية، وهو مؤشر قد يكون جيداً من جهة كونه يعطي مؤشرا دقيقا عن المرحلة الفعلية التي تمر بها الأمة العربية المتوقفة في مربع الزمن عند عام 1435م ميلادي قبل فترة الإصلاح الديني في أوروبا. بفارق أنه عصر جاء في غير محله كمن يلبس قميصاً بنصف كم في بلاد الإسكيمو.
وأهمية معرفة المرحلة التي تمر فيها الأمة العربية ومؤشرات المستقبل تأتي من أهمية التاريخ العام للجنس البشري وتطوره، وفي المقابلة التي أجرتها مجلة در شبيجل الألمانية عدد 14/2002 مع عالم الاجتماع "مانويل كاستلز Manuel Castells" من جامعة كاليفورنيا في بيركلين عن تطورات العالم؛ الذي رأى أنه يتحول إلى مجتمع جديد إلكتروني من يدخل فيه على شبكة المعلومات انتمى إليه، وأما الجاهلون فمصيرهم الانسحاق في ثقب أسود، وأن العالم الإلكتروني سيكون حكراً على المتعلمين بتفوق، ويذهب إلى ما ذهب إليه "آندي جروف Andi Grove" من رواد شركة انتيل للميكروشيبس أن قفزة عصر الإنترنت تضاهي الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر، وأن بنية المجتمع سوف تتغير كلية وتتراجع سطوة الدولة، فيفلت من قبضتها تدفق المال وتيار المعلومات في ضربة موجعة.
وحيث الإنترنت لا توجد مسافات، ومن كان خارجه كانت المسافات لا نهاية لها، وأنه عصر المرأة، وأنه التحول الأعمق للمجتمع الإنساني، بنشوء وعي نسائي مستقل، وهو غير قابل للارتداد، وأن من يقود العالم ربابنة بحر الإنترنت، وأن العالم سيعاني من ظاهرة "الاستقطاب Polarization" حيث يتحول إلى بنية مركبة من نواة فعالة للغاية تمثل 30 % من الجنس البشري في يدها العلم والمال والتكنولوجيا، وأنه بدءًا من عام 2007 سيكون من السعداء الفائزين ملياران من البشر متصلين بعالم الشبكة الإلكترونية، في الوقت الذي لا يعرف مليار من البشر وهم 16 % من مجموع الجنس البشري تهجئة كلمة "كمبيوتر".
وأسوأ ما سيحدث ليس استعمارا من النوع القديم حيث تنهب ثروات الشعوب بل تحول الجاهلين إلى "عالم رابع" يتم تجاهله؛ لأنهم بكل بساطة ليسوا منتجين ولا مستهلكين "للمعرفة".
ومع هذا الاضطراب الكوني فسوف تنمو الأصولية في كل مكان من الدينية والعرقية والوطنية ويدخل فيها الأصولية الإسلامية والمسيحية. ولسوف تتعاظم الجريمة المنظمة واليوم ينفق على الجريمة 1.5 مليون مليون دولار وهو ما يعادل التجارة الأوروبية في عام. وفي أميركا يفتتح كل أسبوع سجن جديد يتسع لألف سجين، وينفق في كاليفورنيا على السجون ما ينفق على التعليم.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .