العدد 2145
الجمعة 29 أغسطس 2014
banner
الفكر الداعشي لم يصنع حضارة الإسلام د. محسن الصفار
د. محسن الصفار
عالم مجنون
الجمعة 29 أغسطس 2014


عندما نتكلم عن العصر الذهبي للحضارة الإسلامية أي الفترة التي امتدت ما بين ظهور الإسلام ولغاية القرن الثاني عشر الميلادي وهي فترة تميزت بمعالم عديدة أهمها انتشار العلم بين الناس وتشجيع الأدب والعلوم والبناء والعمارة وتبجيل العلماء وتقريبهم من الخلفاء والولاة والإغداق عليهم كلما حققوا إنجازا علميا أو أدبيا وكانت دواوين الخلفاء والولاة تعج دوما بأصحاب الفكر والعلم والأدب لا بل إن الخلفاء كانوا يفتخرون باعتبارهم أصدقاء مقربين لهم أيا كانت قوميتهم أو بلادهم التي قدموا منها طالما انهم مسلمون.
كما تميزت تلك الفترة بالانفتاح الفكري على الثقافات الأخرى وكانت الكتب تترجم من جميع اللغات الى العربية تشجيعا لأهل العلم للاستفادة منها واستكمال ما هو ناقص من تجارب غيرهم من الأمم.
ونتيجة لهذا التشجيع فقد برع العرب والمسلمون في علوم الفلك والرياضيات والطب والكيمياء والفيزياء وكذلك الهندسة العمرانية وبناء الطرق والجسور كما تطورت لديهم الصناعة العسكرية وابتكار الأسلحة لدك الحصون وكذلك صناعة السفن الحربية والتجارية وفنون الملاحة البحرية.
وعلى صعيد الأدب والفنون فقد ابدع المسلمون في الشعر والقصص والروايات الطويلة وأدب المقامات وألفوا كتبا بقيت خالدة في تراث الأدب العالمي كله مثل ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة ورباعيات الخيام والكثير غيرها ناهيك عن تطور الموسيقى وابتكار آلات جديدة لها وتطوير فن الغناء والموشحات وغير ذلك.  ولكن كل ذلك انتكس في القرن الثاني عشر الميلادي عندما ضعفت الدولة العباسية في أواخر أيامها وبدأت تظهر الى السطح ظاهرة جديدة هي التطرف الديني وبدأت بتكفير علوم الرياضيات والفلك واعتبارها علوما شيطانية وكذلك الفلسفة باعتبارها كفرا وهرطقة ومحاربة الفنون وتكفيرها وبذلك توقفت تماما عجلة الانتاج العلمي والفكري للحضارة الإسلامية حتى يومنا هذا حيث لم نضف كمسلمين الى الحضارة العالمية اي شيء منذ قرون من الزمن وبعد أن كنا اكبر مصدر للعلم والثقافة صرنا مستوردين لها بدون أية اضافة عليها.
ان الحضارة الإسلامية حققها اشخاص من ذوي الفكر المستنير ممن تمكنوا من استلهام عظمة الإسلام وتعاليمه السمحاء وتشجيع القرآن والسنة النبوية على التفكير والإبداع العقلي والعلمي والتشجيع على اتقان العمل والتفنن فيه، لا على يد أهل التعصب الأعمى الذين لم يروا الإسلام الا من زاوية ضيقة لم تتسع ابدا لغير افكارهم المحدودة ولم تسمح فلاترهم بمرور اي من العلوم العقلية والتطبيقية وأخمدت شعلة الأدب والفن بشكل تام. إن دواعش الزمن الحاضر هم نموذج حي عن سبب اندثار وانكماش الحضارة الإسلامية فتلك الحضارة لم تقم بالفكر الداعشي المليء بالدماء والذبح والقتل والهدم والخراب لكل قيم الحضارة ولم تقم الحضارة الاسلامية عبر اضطهاد غير المسلمين أيا كانت ديانتهم او معتقداتهم.  إن ما تفعله داعش اليوم هو هدية على طبق من ذهب لكل من يكره الإسلام ويروج انه دين وحشي وأن الاسلام لم ينتشر الا بالسيف وحده وأن ما من غير مسلم دخل الإسلام طوعا والشعوب التي فتحها المسلمون اعتنقت الإسلام خوفا من الذبح والاغتصاب والتهجير فهل حقا هذه الصورة التي نريد ان يرى العالم ديننا وإسلامنا وحضارتنا عليها؟ إن محاربة الفكر المتطرف الذي يسعى الى إلغاء الجميع وحصر الإسلام بيده وكأنه ملكية خاصة واجب اساسي على جميع الدول ضمانا للاستقرار السياسي والاقتصادي والأمن الاجتماعي وعدم السماح لفئة ضالة بتخريب الأوطان على رؤوس من فيها وهنا يكون دور أصحاب الفضيلة من العلماء وخطباء المنابر في توعية الناس بأخطار هذه الفئة على دينهم ودنياهم في وقت واحد.  كما ان الإعلام والمدارس يجب ان تتصرف بشكل فاعل ولا تتخذ موقفا سلبيا من هذه الظاهرة.  نسأل الله العافية في ديننا وأوطاننا وأبداننا وأن يحفظ لنا أولي الأمر وأن يديم نعمة الاسلام الصحيح النابع من القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح علينا.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية