العدد 2145
الجمعة 29 أغسطس 2014
banner
الحاضنة الاجتماعية للجماعة السلفية (1 - 2) د. باقر النجار
د. باقر النجار
عمود أكاديمي
الجمعة 29 أغسطس 2014

رغم أن الجماعات السلفية المختلفة تنهل من ذات المعين الفكري والآيديولوجي، إلا أنها قد تختلف عن بعضها البعض في درجة نزوعها للعنف وفي درجة موقفها النافي للمختلف الديني والفكري والمتمثل في بعض قياداتها الفكرية الجديدة. إلا أن الفعل الذي بدت عليه طالبان سابقا والجماعات السلفية في العراق وبلاد الشام وأفريقيا اثار التساؤل حول ما إذا كان هذا الفعل يمثل فعلا شاذا فيها أم أنه يمثل التيار الأوسع والسائد في الحركة السلفية بشكل عام.
ودون شك فقد شكلت الجماعة الطالبانية والداعشية التمثلات الجديدة للجماعة السلفية والقادرة على استقطاب اعداد كبيرة من الشباب المسلم للانخراط في فعلها “الجهادي”، في بلاد الشام شكلت منطقة الخليج أحد مراكز الثقل فيها بل إن الأعداد في صفوفها قد باتت بالآلاف. وهي الجماعة/الجماعات الأكثر قوة وحضورا وتناميا في الكثير من المجتمعات الإسلامية من الباكستان وأفغانستان شرقا حتى مالي ونيجيريا في أفريقيا غربا. وهي وإن بدت جماعة تنزع نحو أن يكون العنف أداتها الرئيسية في التغيير، إلا بعضها الآخر والقليل بات مدركا أن العنف لن يأتي إليها بدولة الخلافة رغم قدرة جماعاتها الجهادية على تحقيق ذلك حتى الآن في أجزاء من صحراء ومدن الجنوب السوري والوسط العراقي وفي مناطقها القبلية المُغلقة في أفغانستان والباكستان ولربما في أجزاء من جنوب وشمال اليمن وفي أرجاء من الصومال ومالي ونيجيريا. فهذه الجماعات قد تكون قادرة على أن تٌقيم إمارة إسلامية، إلا أنها قد لا تستطيع أن تجعل منها دولة قابلة للحياة إذا لم تتعايش مع العالم. وقبل هذا وذاك إذا لم تتعايش مع الداخل المختلف منها قبل أن تكون قادرة على التعايش مع الجوار والعالم. فالتجربة اليتيمة لإقامة دولة لهذه الجماعة السلفية كانت في أفغانستان وهي في ذلك رغم قدرتها على بسط سيطرتها المطلقة على أجزاء كبيرة، وقت ذاك، من أفغانستان، واعتراف ثلاث من دول العالم بها، إلا أنها عجزت أن تقيم دولة قادرة على الحياة، فسقطت في أول اختبار لها مع العالم، بل كانت عاجزة عن التعايش مع تماثيل بوذا التي دمرتها فسقطت هي بعد ذلك.   الجماعة السلفية ذات طبيعة سياسية وثقافة دينية محافظة بل شديدة المحافظة، بل إن ممارسات جماعاتها من القاعدة وداعش وجبهة النصرة وغيرها الدموية ولربما اللاإنسانية في العراق وسوريا واليمن وتونس والجزائر ونيجريا، تعكس حقيقة أنها جماعة قد باتت لا ضوابط أو حدود إنسانية أو أخلاقية أو شرعية لها.
ومثلت التضامنيات القبلية والجماعات الاجتماعية المحافظة حواضنها الرئيسية، والذي تعكسه حالات انتشار الجماعة السلفية في أوساط الجماعات القبلية الأفغانية الجنوبية أو الجنوبية الشرقية ما يمثل الشمال الباكستاني امتدادها ليس فحسب الجغرافي وإنما القبلي كذلك، والذي منه باتت تستمد قوتها الاجتماعية والسياسية. كما أن الاختراقات التي تُحدثها طالبان في صفوف الجيش والأمن الأفغاني إن هي إلا اختراقات تُحدث بفعل المعطى القبلي، وليس السياسي أو الآيديولوجي. بل إن سيطرة القوات الداعشية على محافظة الموصل والغرب العراقي جاءت بفعل تلك الاختراقات الواسعة للمكون القبلي في شمال وغرب العراق.
إن ما يدعم التعاون الدائم بين ما يسمى بطالبان الباكستان وطالبان الأفغان ليس في كون الأولى هي صنيعة الأخرى أو أن الأخرى وليدة الأولى، أو في تماهيهما الآيديولوجي أو الفكري، أي أنها قوى تتغذى من نفس المعين الفكري والآيديولوجي، إنما من حقيقة أن تماهيها أو تداخلها القبلي وحدها أكثر منه التماثل الفكري أو الآيديولوجي. بل إن قدرتها على الاستمرار نابعة من حقيقة أن حاضنتها الاجتماعية: القبلية أو الريفية باتت تمثل مُعينها البشري قبل أن تكون مُعينها الآيديولوجي. وبالمثل فإن قوة الجماعات السلفية في المجتمع العراقي والسوري كانت في البوادي ولربما في الأرياف أكثر منها في الحواضر وهي في أطراف المدن الفقيرة أكثر حضورا منها في مراكزها الكسموبوليتية، ولذلك فقد مثل الجنوب والجنوب الشرقي السوري والوسط والغرب العراقي بامتدادته القبلية حاضنتها الاجتماعية الأساسية. كما مثل الجنوب الأردني البدوي وقبائل سينا في مصر حاضنتها الاجتماعية. فالقائد السلفي اليمني - الأميركي المعروف أنور العولقي، والذي طاردته القوات الأميركية حتى اغتالته، عاش برهة من الزمن مطاردا لم تحمه الدولة أو الجماعة السياسية إنما حمته القبيلة رغم عدم اتفاقها مع الكثير من أفكاره السياسية ولربما تفسيراته الدينية المتشددة.
يتبع...

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية