العدد 2203
الأحد 26 أكتوبر 2014
banner
ثلاثون سنة ضد “داعش” (2) عمار السواد
عمار السواد
الأحد 26 أكتوبر 2014

الأتراك يبدون اليوم أكثر إرباكا من السابق، فسلاح “داعش” لموازنة أسلحة إيران، ليس موثوقا، وهو ايضا مدخل مهم للغرب كي يمارس تأثيراته على تركيا واستخدامها في الحرب ضد التطرف وضد فكرة الخلافة الإخوانية التي تسكن اجندة الأردوغانية “المعتدلة ظاهريا”، كونها إنتاجا لمزيد من التطرف. إيران الآن، في ذروة صمتها تجاه ما يجري، المخاوف كبيرة، لأنها تدرك أن الأهداف قد تشمل اذرعها وتقلّم مخالبها. كما ان خطاب تصدير الثورة المعتمد في نظام ولاية الفقيه، كان مساهمة مهمة في صعود التطرف. السعودية تعي أن النفط والتحالف مع الولايات المتحدة ليس مفيدا إلى ما لا نهاية، فشروط اللعبة قد تتغير وبيادقها ايضا، كما يقول كيسنجر “لا يوجد لأميركا أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، بل عندها مصالح دائمة”.
فهذه الحشود لن تشن حرباً عسكرية فقط، إنما حرب قرارات دولية وخطوات إعلامية وثقافية ستمس السيادة الوطنية المفترضة للبلدان، وتجعل منها منسجمة مع الرؤية الغربية، تشمل الثقافات ومناهج التربية وحتى تمس أئمة المساجد، وليس بعيدا عن ذلك؛ المجتمعات المسلمة الموجودة في أوروبا وعموم البلدان الغربية، والآخذة بالاتساع عددا وتأثيرا، والتطرف الجهادي والنموذج الدعوي، يدفع هذه المجتمعات لتصنع تهديدا حقيقيا، وحضور المقاتلين الغربيين كما يمثل عنوانا لهذا التهديد، فهو كذلك مدخل للمعالجة، اذ يتم الآن تدعيم الخطاب المعتدل داخل تلك المجتمعات ووضع الأسر أمام واقع جديد يتمثل بأن ابناءهم سيكونون بناء على هذه العقيدة، وقودا للحرب، ما سيدفع الجميع لإعادة النظر بالمضامين المتطرفة بشكل تدريجي.
الحرب ضد داعش أقرب لنموذج الحرب الباردة منها للحرب العالمية الثانية، حرب تستخدم فيها الوسائل المتعددة وليس السلاح فقط، وتعتمد على زمن طويل وليس سرعة الحسم، لأنها ليست حربا ضد آيديولوجيا “قومية” إنما ضد آيديولوجيا عقائدية لا تقف عند جنس أو لون.
لذا أصدّق الإسلاميين إذ يقولون: إن الغرب يستهدف الإسلاميين أو الإسلام. الا أن ما لا يراه الاسلام الجهادي والدعوي، انه خلق باستمرار مبررات هذه الحرب، كان ولا يزال يقدم قراءة تهدد الآخر، تؤمن بنهايته الكاملة والسيطرة عليه، وفرض هذا النموذج الديني عليه. فهو لم يحم الاسلام، بل جعله هدفا لعداء الآخرين. حتى الآن يؤمن الكثير من الإسلاميين بعقيدة الإكراه الديني وفرض الجزية ونظام الرق وكل النظم والعلائق الاجتماعية.
كل هذا جعل الكثير من المسلمين المعتدلين محايدين في هذه المعركة، لإدراكهم انها بين عدوين، احدهما يريد فرض سطوته الاقتصادية والسياسية ونموذجه الثقافي، والآخر يبحث عن استحضار الماضي وإعادة عقارب الساعة الى لحظات لا تواجه الجماعات بالعنف فقط، بل حتى خصوصية الأفراد المغايرين، قلّت المغايرة ام كثرت. غير أن صعود الجهادية بهذه الطريقة الفجة والقاسية، تدفع المعتدلين لترك حيادهم، وتصطف ضد هذا النموذج، والبحث عن خيارات أخرى تفكك أسباب ظهوره.
يصرّ كثير منا على التعامل مع الموضوع وكأنه داعش فقط، إلا أن سؤال “كيف ظهرت داعش ولماذا؟”، سيكون مؤثرا جدا، وإجابة “صنعه الغرب كي يسيطر علينا أو يكرهنا بديننا”، ستكون غير كافية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .