العدد 2209
السبت 01 نوفمبر 2014
banner
دور المنابر الإسلامية في التوعية الوطنية عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
السبت 01 نوفمبر 2014

تفنن المسلمون في صنع المنابر وأبدعوا فيها، وحملت تذوقهم الجمالي في تكوينها، وما لبثت أن انطلقت المنابر سريعًا مع عصر بناء المساجد الكبرى في المدن الرئيسية حتى غدت مَعلمًا بارزًا من المعالم الإسلامية. وتظهر أهمية المنابر الإسلامية في كونها موقعًا للخطابة ومظهرًا من مظاهر القيادة ومنبرًا للثقافة والفكر والدعوة لنشر المفاهيم الصحيحة والسوية للحياة الجميلة الواضحة الأهداف والجليلة المعاني. إن أصل كلمة “منبر” حبشية وأصلها “ونبر” بمعنى “كرسي” أو “سدة كبيرة لكرسي الملك أو رئيس الديوان”، ثم حُولت (الواو) إلى (ميم) فأصبحت “منبر”. و “منَبَر” معناه (رَفع) وهي مُرقاة للخطيب، فسمي “مَنبرًا” لارتفاعه وعُلوه. وأول منبر صُنع لرسول الله “صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم” كان مصنوعًا من خشب ومؤلفا من درجتين فوقهما ثالثة للقعود في السنة الثامنة للهجرة.
وللمنبر الإسلامي عطاء متعدد، فهو مدرسة واسعة الأرجاء إذا استخدم الاستخدام العقلاني الصحيح وفي مختلف مجالات الحياة، بجانب استخدامه للوعظ الديني فإنه يُمثل منبرا ثقافيا معرفيا متنوع الآراء والأفكار التي تلامس مختلف جوانب حياة الناس. ويتنوع هذا الأداء بحسب المستوى الثقافي والتوعوي للخطباء الذين يرتقون هذا المنبر. ولهم مطلق الحرية في طرح الآراء والحديث في كل شؤون الحياة من سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية بما يتفق مع القانون ولا يشرخ الوحدة الوطنية ويحقق التآلف الديني والتماسك الوطني.
يستطيع المنبر الإسلامي والخطباء أن يطرحوا الكثير من الآراء التي تجمع ولا تشتت، التي تنمي المعرفة في عقل الإنسان لا تدمره، والبُعد عن الشعارات السياسية الفاقعة أو الحديث عن أمور تذب الخلاف بين الناس وعدم الحديث عن أشخاص مهما كان توجهه الديني والفكري والسياسي. ودور المنابر والخطباء لا يختلف عن دور الأجهزة الإعلامية والصحافيين والكتاب والمثقفين وهو توضيح ما يفتقده الناس من المفاهيم والرؤية لمجموعة متنوعة من أمور الحياة وأن يثرون المنبر ومستمعيه بما يحتاجون إليه من وعي وطني وديني بشكل منهجي ومعرفي.
إن محاربة التطرف الطائفي ونبذ الإرهاب ليس بدور الدولة والإعلام فقط، بل إن للمنابر دورًا في استئصال داء الفتنة والتطرف والغلو، وفي حفظ الأمن ومحاربة كل مظاهر العنف، والتطرق والإسهام في نشر الأمن والصفاء في ربوع البلاد، وصولاً إلى تحقيق المجتمع الآمن المتماسك الذي يسوده الحُب والوئام والألفة بين أبناء الشعب البحريني الواحد بما يُعزز الثوابت الوطنية. إن التجربة الشخصية السطحية في الخطابة تشكل فكرًا أعوجًا وكسيحًا وأحيانًا متطرفًا، لابد أن تحتوي الخطابة من على المنابر مجموعة من المعارف والعلوم في أعلى صورها لتشكل وجبة فكرية تستمد معالمها من الأصول العلمية والضوابط الثقافية التي تتعارض مع القيم والعادات والسلوكيات الإنسانية البعيدة عن التنطع بالفكر المتطرف.
إن استخدام المنابر الإسلامية في غير مواقعها الحقيقية يُمثل أزمة مدنية وخروجًا عن قيم الحضارة ويؤدي إلى تحقيق الضرر بالنفع العام. وصعد المنابر عدد من الخطباء من خلال الفراغ الخالي من الخطباء القادرين على استخدام المنابر أفضل استخدام وتفعيلها لقضايا الإيمان والحرية وفي خلق الوعي الوطني والديني، لذا.. فإن المنابر تتطلب وعيا خاصا لمجمل القضايا الاجتماعية والوطنية والدينية من خلال الفهم والحس البعيد عن الوعي الزائف. ومن الواجب رسميًا إبعاد الخطباء الذين يفقدون هذا الفهم والحس عن المنابر، فمثل هؤلاء يُعيقون الأمن والاستقرار ويخلقون التشتت الاجتماعي لأفراد المجتمع.
إن المنابر الإسلامية ذات مضامين وأهداف وطنية ودينية، وهي مسؤولية وطنية تعمل على ترسيخ الأمن وحفظ البلاد، لذا يجب تفعيلها في توعية المواطنين وتعزيز وحدتهم الوطنية. واستخدامها الصحيح يُساهم في تسوية السلوك الإنساني ويُشبع النفس ويُطعم العقول رحيقًا خالصًا غير زائف.
واليوم ومملكة البحرين وشعبها يستعدون للانتخابات الرابعة يجب أن يكون للمنابر موقف وطني من هذه الانتخابات، وموقف محايد لمختلف الآراء الوطنية سواء في المشاركة أو المقاطعة، وموقف واحد من جميع المُرشحين من الرجال والنساء، يجب أن يجسد دور المنبر الوطني والثقافي والديني في هذه الانتخابات وفي مُجمل القضايا الوطنية البحرينية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .