العدد 2163
الثلاثاء 16 سبتمبر 2014
banner
الإسلام دين التسامح والقيم الإنسانية عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الثلاثاء 16 سبتمبر 2014

يعيش العالم اليوم وسط خطر محدق من طرفين، كل طرف أخطر من الآخر، نعيش بين فكر جهادي متعصب ودهاء إخواني متصلب، نتج عن الخطر ولادة مقاتلين متشددين ليس فيهم من الإسلام من شيء، ولا ينتمون إلى الأرض التي يحرقونها ويقتلون نسلها ويسبون نساءها، ترعرعوا بين فكرٍ ضال وحملوا السلاح منتقلين به من أرضٍ إلى أخرى، من سوريا إلى لبنان والعراق واليمن وصولاً إلى أقطار عربية أخرى، سيأتون إلى أرضنا بعد رفع أعلامهم المقيتة. احتلوا أراضي لا يعرفون شيئًا عن جغرافيتها، ولا ينتمون أبدًا إلى تاريخها وليسوا مثل بشرها، ينشدون نفاقًا إقامة دولة الخلافة الإسلامية وظلمًا تنفيذ أحكام الشريعة، رافعين علمها الذي لا ينتمي إلى الإسلام، فقد قال رجل بريطاني لقناة (bbc) “إنه يحارب إلى جانب (الغدرة ـ النصرة)” ولن يعود حتى “يرفرف عَلم الخلافة فوق قصر باكنغهام”. يجب مكافحة هؤلاء الإرهابيين أينما وجدوا، فهم من سلالة القاعدة ومن نتاج فكرها الهدام، لا يؤمنون بالديمقراطية بل سفك الدماء كمنهج لخدمة أهدافهم المدمرة للحق والإنسان ولكل الأديان، يرفضون شرعية أي نظام سياسي وبغير شرعيتهم لا يعترفون، ويحرقون الملابس التي لا تشبه ما يلبسون.
خطر آخر يعيش بيننا، فصيل آخر من المسلمين انخرطوا في كل مظاهر الحياة في المجتمع الذي فيه يعيشون، وفي بعض الدول تصدروا إعداد المناهج وتعيين أئمة المساجد والجوامع، وفي قيادة المؤسسات الحكومية العامة من وزارات وشرطة وجيش وسجون، وبعضهم من ناحية الاستيلاء على المساجد لتكون مقرات لدعواتهم وفكرهم، بجانب سعيهم الحثيث للحصول على الأموال الحكومية أو الزكواتية لصرفها على مختلف أنشطتهم. إنه وجه آخر من الخطر الذي يجرح المجتمع بدون نزيف. ومن أنشطتهم تجميع الأطفال والفتيان في هذه الأنشطة لتجنيدهم لخدمة مخططاتهم التي تهدف إلى خلق مجتمع ديني متعصب ومتزمت، غائب العقل وشعاره القتل، وفي بعض الدول نراهم مرشحين لشغر مقاعد المجالس الإدارية والنيابية لتمرير ما يشاءون من تشريعات وقوانين تحقق أهدافهم. هذا الأمر يمكن أن يكون مدمرًا للمجتمعات إن لم تتخذ الحكومات سياسة صارمة من أجل وقف هذا المد الهالك والقاتل.
الإسلام دين سمح بعيد كل البعد عن العنف، وكما كان للإسلام دور في تحرير العقل الإنساني وجسده من العبودية فاليوم للإسلام دور آخر وهو تحرير الإسلام من الخرافات والتشويهات التي علقت به، فهو دين كامل ومتكامل لا يحتاج إلى الإصلاح وإلى التجديد الذي يدعي به المتأسلمون، والفكر الإسلامي فكر نيِّر لا يحتاج إلى الإصلاح بل يحتاج إلى التمسك بمبادئه العقائدية الصحيحة التي جاء بها نبيه “محمد بن عبدالله” صلى الله عليه وآله وسلم. كما احتاج الإسلام في البداية إلى عقل وقلب المسلمين لنشره وإلى سيوفهم ودروعهم لحمايته فالإسلام يحتاج اليوم إلى أبنائه المؤمنين لتحريره من شعوذة المدعين بتجديد الإسلام والإفادة من العِلم والتقنية الحديثة لإعادة الأسس والمنطلقات الإسلامية إلى مواقعها الصحيحة وسيكون ذلك بفضل ما يملكه المؤمنون من قوة الذهن وسعة العقل ونفوذ البصيرة وتميزهم بشخصية شمولية وإدراك عميق لمفاهيم وتعاليم الإسلام ومبادئه، وهذا ما يؤهلهم لبناء مجتمع سوي موحد متماسك له القدرة على التعاطي مع معطيات الحضارة الحديثة من دون الإخلال بهويته، والأخذ بأسباب الحضارة والمدنية دون العودة إلى الوراء والتشبث بالإسلام الشكلي الجاهلي المتخلف البعيد عن الإسلام الحقيقي.
إذا كان الغرب “العدو الخارجي” هو العدو الأول فلنا عدو آخر “العدو الداخلي” ممثلاً بالجمود الفكري وبظهور الفكر المتشدد الهادف إلى السيطرة على كل ما يتعلق اسمه بالإسلام، فالمواجهة الأولى للإسلام والمؤمنين تكون مع من اخترق مبادئ الدين وعبث بأحكامه من أجل تحرير الإسلام منه، فالإسلام الحقيقي دين للعلم والعمل ومنبر للثقافة والفكر وساحة للإصلاح من الشبهات التي أوجدها الذين دنسوا الإسلام بالعنف والإرهاب وخلق الرعب في قلوب الآمنين واستباحة أراضيهم وقتل أناسها وسبي نسائها، وإلى تحرير الفكر الديني من براثن المتشددين ليتخلص الإسلام من الجمود والتقليد الأعمى ليكون قادرًا على مواجهة تحديات العصر والتصدي للغزو الفكري الذي يشنه الأعداء.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية