العدد 2149
الثلاثاء 02 سبتمبر 2014
banner
نحو ثقافة ديمقراطية عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الثلاثاء 02 سبتمبر 2014

لا يتجاوز عُمر الديمقراطية ثلاثة قرون، فهي مازالت كمفهوم حديث لدى الكثير من الشعوب، الديمقراطية ليست شيئًا لذيذًا لنأكله، أو هندامًا مرتبًا لنلبسه، ولا توصلنا أينما نريد، كما أنها ليست هي اليد السحرية التي تحل مشاكلنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالديمقراطية كمفهوم صار ونما من خلال التجارب الإنسانية المتعددة.
الديمقراطية هي “سياسة للتعايش المشترك في المجتمع بشكل سلمي”، وممارسة تمثل “استقلالية الفرد وحريته وعقلانيته وسلوكه المتحضر مع بقية أفراد المجتمع”. وثقافة الديمقراطية لا تأتي هبة للعقل وللفكر الإنساني مرة واحدة بل إنها تنمو في عقل الإنسان ووجوده بشكل تدريجي من خلال الممارسة التي تصقل بتجارب الشعوب الديمقراطية الأخرى الأكثر حرية، هذه التجارب التي نالتها بكثير من الجهد والمثابرة والكفاح. والديمقراطية ليس كما يفهمها البعض بأنها شكل من أشكال الحكم، ولكنها ثقافة سياسية واجتماعية من أجل ترسيخ حقوق الإنسان أينما كان.
إن الثقافة الديمقراطية تبدأ من الممارسة الذاتية للإنسان مع ذاته وإنسانيته، فالسلوك والتعامل مع الذات بمثابة الديمقراطية الذاتية للإنسان التي تنير له طريق الخير أو الشر، سواء كان في بيته أو مجتمعه أو في عمله، فإذا آمن الإنسان بهذا أو بقدر ضئيل منه فسيتمتع بمسار ديمقراطي نظيف في حياته لكونها التجربة الديمقراطية الأولى. ومن ثم تأتي ديمقراطية المنزل، فتسيير شؤون المنزل لا يأتي من السيطرة الذكورية بل بالحوار في كل شؤون المنزل، فالمرأة كما هي شريكة في حياة الرجل هي أيضًا شريكة في المنزل وكذلك الأبناء لهم حصة تشاركية في ذلك، فالنقاش الواعي والمفتوح بين الزوجين بمثابة دروس ديمقراطية يستقي منها الأبناء الممارسة الديمقراطية السليمة.
ومن ديمقراطية المنزل إلى ديمقراطية المدرسة، فمشاركة المُعلم لتلاميذه في الحوار يُنمي حريتهم ومن قدراتهم الخلاقة في التشبع بالقيم الديمقراطية المتمثلة في الانفتاح على الآخر والتعايش معه واحترام الرأي والرأي الآخر ورفض التسلط، مما يجعلهم يبدعون في أنشطتهم المدرسية ويتفوقون في دراستهم.
ومنها إلى الديمقراطية الاجتماعية التي تتمثل في احترام الرأي الآخر، وفي القبول بسيادة القانون والأنظمة الإدارية والاجتماعية والاقتصادية، فالالتزام بالديمقراطية الاجتماعية سلوك حضاري يعكس نضوج الإنسان في مجتمعه ويؤثر إيجابيًا على الحياة العامة وفي تطور المجتمع إنسانيًا وحضاريًا.
إذا، فالديمقراطية كثقافة ليست مفهوما سياسيا، فالديمقراطية هي ممارسة يومية وحياتية في مختلف أوجه الحياة، تسهم في تلبية تطلعاتنا نحو حياة أفضل، لذا فنيل هذه الثقافة ليس من السهل على عقل ووجدان الإنسان أينما كان، بل طريق مليء بالصعوبات لكنها ضرورية للإنسان والمجتمعات التي تنشد التطور والتقدم.
إن ترسيخ الثقافة الديمقراطية في المجتمع من متطلبات تطور المجتمع الذي يسعى إلى بناء نموذج ديمقراطي إنساني تعددي ليساهم في تحقيق الإصلاح المنشود على جميع المستويات، وتتكفل المؤسسات الرسمية من تربية وتعليم وثقافة وإعلام والجهات المعنية الأخرى بمعية مؤسسات المجتمع المدني بتحمل هذا الدور الوطني في ترسيخ الثقافة الديمقراطية، وذلك عبر مناهج تربوية دراسية وبرامج إعلامية هادفة ومنتجات أدبية شاملة. وأن الالتزام المشترك بهذا الدور هو الضمان الحقيقي لترسيخ ثقافة الديمقراطية لتحقيق بيئة اجتماعية ثقافية مهيأة لقبول الديمقراطية.
عند سؤال الرئيس الأميركي “إبراهام لينكولن” عن الديمقراطية أجاب ببضع كلمات قائلاً “هي القدرة على الدخول لكل بيت”، وقال بسمارك مؤسس ألمانيا الصناعية عن الديمقراطية “عندما يكون هناك عشرة حمير وتسعة بسمارك فالحُكم للحمير”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .