العدد 2136
الأربعاء 20 أغسطس 2014
banner
خطر المنظمات المتطرفة على الدولة الوطنية عبدعلي الغسرة
عبدعلي الغسرة
الأربعاء 20 أغسطس 2014

ساهم ما يُسمى بالربيع العربي في اختراق التطرف الطائفي للأمن الوطني والقومي العربي، وأصبحت المنظمات الإرهابية تنازع الدولة على أرضها، وشنت عليها حربا في أكثر من قطر عربي، وبدأ مداها ينتشر كالأخطبوط في الأرض العربية، تدعمه أفكاره والميليشيات المُدربة على الفتك والقتل نحرًا وسحلاً وسبي النساء وخطف الأطفال ونشر الخراب والدمار وبث الرعب في الآمنين، وتهجّر الطوائف الدينية والعرقية التي استوطنت الأرض العربية منذ العصور التاريخية ليستولى على منازلها وتسرق ممتلكاتهم ويجردون من كل شيء حتى من الحياة.
فهذه المنظمات المتطرفة ليست فقط خطرًا على الأرض والناس والبشر والشرف والدين بل هي خطر تربوي وثقافي ووجودي، ففي خلاصة خطابها الذي تسميه بـ “الخطاب الإسلامي” تمحى العلاقة الصحيحة بين الإنسان وربه وبين الدين والدولة وبين الدين الإسلامي وباقي الأديان، لتكفير غير أتباعهم، خطاب لا يضمن العيش بين البشر في المجتمع الواحد فكيف به في المجتمع المتعدد. هؤلاء يجهلون كل ما يتعلق بالدين الإسلامي والأديان الأخرى، إذ جعلوا أنفسهم أوصياء الله على خلقه وشرائعه السماوية، ليعودوا بالأرض وبشرها إلى عهود القرون الوسطى التي امتدت هيمنتها على أرضها وبشرها ومعتقداتها.
إن التطرف الذي يقوم على القتل والدمار ليس من أطر الدولة الإسلامية التي تستند على أسس السلام وقيم التسامح ورضا التعايش مع كل الأديان والبشر، وهذه الدولة الداعشية هي نموذج غريب عن الإسلام وأهله، ولا ترتبط بالمشروع الإسلامي، بل هي صورة سلبية عن الإسلام وأهله. فأصبح من الضروري اليوم تجنب هذه الدولة بل من الواجب الديني والوطني محاربتها لكون دعاتها يريدون فرض الاستبداد على شعوب الأرض باسم الدين، وأن الدولة في المفهوم الإسلامي هي دولة مدنية وليست دينية، دولة مدنية تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين والمقيمين على أرضها بغض النظر عن القومية والدين. إن الإرهاب المتستر بالشعار الديني لا يواجه عن بُعد وليس بالبندقية فقط، خصوصا حين يكون الإرهاب قادمًا من داعش والنصرة وما شابههما من قوى متطرفة تستهدف الدول والأديان والشعوب التي تضررت كثيرًا من زحف هؤلاء إلى الأرض العربية واخترقت حدودها مما يتطلب الآن توحيد المواقف العربية والإقليمية لرفع منسوب المناعة والتصدي لهذا الغزو الإرهابي.
بجانب الخطر الطائفي لهذه المنظمات فإنه يمثل خطرًا على وجود الدولة الوطنية وهويتها، ونموذج العراق أمامنا يعكس هذا الخطر عليه وعلى الأقطار العربية المجاورة له حيث إنها تستهدف المنطقة العربية بأكملها. لذلك فتنظيم داعش يتحرك بشكل تكتيكي مستغلاً الاضطرابات التي تحدث في الأقطار العربية لبناء قواعد انطلاق إلى كل أنحاء المنطقة لبناء دولتها المتشددة. وعدم التصدي له يؤدي إلى مخاطر أمنية عديدة على أقطار الجزيرة العربية، ومن بينها سعيه إلى خلق ظهير قوي له في أحد هذه الأقطار عبر آلية التجنيد عن بُعد، أو عبر عودة المقاتلين من هذه الأقطار الذين انخرطوا في القتال بالخارج لحساب تنظيم داعش والقوى الظلامية الأخرى.
صفحة سوداء سطرها تنظيم داعش بحملاته التطهيرية ضد أبناء العراق من المسيحيين والأيزيديين في العراق والمذابح المرتكبة من قبل مقاتليه في سوريا والعراق، وتدمير الكنائس والمساجد ومقامات الأنبياء والصالحين في سوريا والعراق، وهو نهج آيديولوجي منحرف ويصب في تشويه تعاليم الدين الإسلامي والقيم الإنسانية. وهي أعمال تدفع نحو افتعال حروب ونزاعات طائفية ومذهبية تهدد بانقسام المجتمعات العربية على نفسها وإغراقها في بحار من الدم ويعمل على استشراء داء انحرافات عقائدية شديدة التطرف تشعل الفتنة الطائفية بين الشعب الواحد تحت ادعاءات دينية زائفة وشعارات عنصرية متطرفة تنفخ في نار اختلاق “صراع ديني ـ مذهبي” يؤدي إلى ضرب وحدة المجتمعات العربية وهويتها الثقافية الحضارية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .