العدد 2139
السبت 23 أغسطس 2014
banner
شب حريقاً أم حريقٌ؟! فاتن حمزة
فاتن حمزة
رؤيا مغايرة
السبت 23 أغسطس 2014

دخل رجل على مجموعة من العلماء وأصحاب الرأي قائلاً: “أيها القوم شب حريقاً في المجمع، فخرج أحد العلماء قائلاً لا بل الصحيح أن تقول: شب حريقٌ في المجمع. طال حديث العلماء والمفكرين حول القراءة الصحيحة للخبر وانشغلوا عن الحريق الذي أكل المجمع بما فيه.
نموذج تعمدت طرحه لنستخلص منه سطحية مجتمعنا العربي والإسلامي، وهي قضية مهمة متفشية ازدادت تعقيداً يوماً بعد يوم، فالسطحية تعد من أهم أسباب تأخر شعوبنا، أنشئنا وتربينا عليها فقادت مجتمعنا لتعثر فكري فوضوي يهتم بالقشور وينسى اللب، حتى استبعد المفكر وأقصي المثقف ليعلو الفكر الهابط على المتعمق الناضج، للأسف أصبحنا نتقن فهم الفروع والجزئيات أكثر من الأصول لتكون المحصلة مخرجات سلبية مختلة القيمة تفتقد الوعي وتفتقر الجودة.
إن تجاهلنا للكليات أصاب مجتمعنا بالفتور والتراجع فأصبح بيئة خصبة يتخللها الطامعون وأعداء الدين، مستغلين هشاشته وضعف قدراته لتحقيق أهدافهم رغم إمكانياته وثرواته.
ترى ما هي أسباب سطحية مجتمعاتنا العربية؟!
إن أصول التربية السليمة وأساليبها تلعب دورا أساسيا في صقل وتكوين مفاهيم وأسس تغرس في عقول أبنائنا، لتمكنهم من الاستقلال الفكري غير الاتكالي والنضج في تقييم الأمور بدقة ووعي، فالتأمل والتعمق صفات مكتسبة ومهارات نستمدها من الأسرة أو نتعلمها في المدارس والجامعات، ومتى ما أجدنا فهمها وتطبيقها ووجدنا من يعيننا عليها سنرتقي بالنتائج وسنجيد صناعة القرارات، وذلك يتطلب تثقيف المجتمع وتوعيته وحثه على المثابرة والبحث بدل تدليله وتلبية رغباته وهو مكتوف اليدين، نحن بحاجة لتطوير مصادرنا التعليمية ومناهجنا الدراسية لرفع جودتها لتتناسب مع متطلبات العصر وتحدياته.
لقد كثرت المخاطر والصراعات من حولنا، والتغييرات السياسية والاجتماعية المتعاقبة تتطلب منا حذرا ورؤية مستقبلية مدروسة، ونظرة ثاقبة مسؤولة حتى لا يكلفنا التكاسل والسطحية أرواحنا وحتى أوطاننا.
متى ما صلحت المدارس والجامعات، واستثمرت العقول والكفاءات، وتوفرت بيئة ملائمة لتفريغ الطاقات واستقطاب المبدعين سننعم بمجتمع صالح قادر على العطاء، أما إن استبعد أبناءه بتهميشهم وتنفيرهم بحرمانهم من حقوقهم، وعدم استغلال طاقاتهم سيحبط وتتهشم أحلامه وسيصاب بحالة من اليأس والشلل الفكري والشعور بالمظلومية لعجزه عن موازنة طاقاته بمتطلباته، مما سيجعله يستسلم للأمر الواقع مبررا ابتعاده عن الجدية والمثابرة بحجة واقع سلبي مناقض للتوجهات.
إن للدولة دورا كبيرا في تغيير هذا الواقع بدعم الكفاءات واحتواء المواطنين، ووضع الأموال على كل ما من شأنه استغلالها وتطويرها بدل تبديدها على مشاريع ترفيهية وسياحية وحفلات بشكل يفوق المشاريع العلمية، فالأولى مردودها مادي والأخيرة فكري وخير مجتمع من يوازن بينهما لنحظى بتقدم حقيقي تنافسي مشرف قادر على مواجهة التحديات بإصرار وعزيمة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية