العدد 2138
الجمعة 22 أغسطس 2014
banner
مــاذا بعــد؟ داود البصري
داود البصري
الجمعة 22 أغسطس 2014

مع السقوط المدوي لنوري المالكي في حومة الصراع العراقي الداخلي رغم فيالق الحماية من العناصر الطائفية التي استعان بها لحمايته وتسويق نموذجه السلطوي الاستبدادي الرث، تكون حقيقة هشاشة السلطة العراقية واضحة وجلية ومعبرة عن حقيقة وطبيعة الصراع الدولي والإقليمي على العراق، الرئيس الخليفة الجديد حيدر العبادي لم يكن اسمه مطروحا أصلا ضمن بورصة الترشيحات التعويضية التي تصاعد الحديث عنها لخلافة نوري المالكي المرفوض شعبيا وشيعيا وسنيا وكرديا وإنسانيا، فهو زعيم الفشل السلطوي دون استثناء، وهو وجماعته وطاقمه الحكومي والاستشاري عبارة عن دولة كاملة من الفشل الرهيب تجسد في شخص وإدارة واحدة جمعت كل لاعبي الثلاث ورقات من الطبقة السياسية العراقية الرثة التي وفدت على العراق بعد الاحتلال لتحيله هشيما وتجعل ملف التنمية والتطور مجرد أحلام للعصافير.
في حكومة المالكي ومن خلال فترتيه العجفاء تبلورت أشياء كثيرة وفضحت خفايا كبيرة وتبينت أمور وملفات عديدة أبرزها أن الوضع العراقي السلطوي معرض دائما وأبدا لبروز قيادات دكتاتورية مستبدة تستغل الظروف والعقليات والنفسيات المشوشة القائمة في العراق لتشييد قلاع استبداد دكتاتوري من خلال سذاجة العملية السياسية في العراق القائمة أساسا على أساس التحاصص والتقاسم لمغانم السلطة وعسلها وليس على أساس المشروع الوطني الغائب المغيب وغير الموجود في المستوى المنظور الراهن على الأقل، كما تجسدت حقيقة أساسية وجوهرية تكمن في صعوبة تغيير الأوضاع داخليا في العراق من دون التدخل الخارجي المباشر والذي سهل أمر إزاحة الدكتاتور الصغير الطائفي الجديد، فلولا التهديدات الأميركية المباشرة للمالكي والتي سحبت عنه غطاء الدعم الدولي، ولولا الموقف الإيراني الواضح من خلال موفد الولي الفقيه ومستشاره علي شمخاني الذي نزع عباءة الحماية الإيرانية عنه ما كان ممكنا أبدا إزاحة المالكي من خلال جماعته في التحالف الوطني الشيعي خصوصا أنه وحزبه معبأ بأحقاد تاريخية ضد جماعة المجلس الأعلى تعود جذورها لحقبة أوائل الثمانينيات حينما سحبت أسرة آل الحكيم بساط الحماية الإيرانية عن حزب الدعوة وأسبغتها على جماعة المجلس الأعلى عام 1981 مع ما رافق ذلك من انشقاقات في البنية التنظيمية لحزب الدعوة أدت لنهايته وانحساره وتشرذمه وتحوله لحزب مفتت من اللاجئين المشغولين بالتهريب وبيع الخضروات في عواصم الغرب قبل أن تتكفل “بريطانيا العظمى” بإحياء الأموات وإيلاج الحزب من جديد في المنظومة السلطوية العراقية التي قامت على أنقاض نظام البعث بعد الاحتلال الأطلسي عام 2003.
نعم لقد سقط الدكتاتور الطائفي ولكن هل هناك ضمانات محددة بعدم بروز دكتاتور طائفي جديد؟ وهل يستطيع “بدل الفاقد” حيدر العبادي وهو المفتقر للكاريزما والخبرة السياسية والزعامة الجماهيرية تحقيق أي انفراج في الوضع العراقي المتداخل من الصراعات الحزبية والشخصية والطائفية؟ وهل يتمكن من إزالة عذاب ومعاناة وملفات سنوات الغليان المالكية؟ وهل يستطيع حزب الدعوة القادم من أعماق منظمة حزب الدعوة السرية إعادة الوفاق الوطني الحقيقي وبناء منظومة إصلاح وطني حقيقية تعيد رسم البهجة على وجوه أطفال العراق وتتخلص من الجيوش الطائفية وترسم مشروعا وطنيا حقيقيا للخلاص الوطني، خصوصا أن المالكي لم يكن وحده مسؤولا عن الخراب العراقي الشامل، بل إن شركاءه الذين تحولوا لخصوم له ساهموا بشكل فاعل في صناعة المأساة العراقية!
هل سيكون حيدر العبادي رجل الساعة في العراق؟ أم انه مجرد تحصيل حاصل ومرحلة عابرة في صراع دموي عراقي مستمر منذ قرون وهو مجرد فاصلة إعلانية قبل عروض دموية عراقية جديدة. من المؤكد أن المافيا السلطوية التي تركها المالكي خلفه لن تهدأ أبدا، بل ستستغل فترة الاستراحة القائمة للتهيؤ لعمل جديد.. وبين تدويل الصراع حول داعش، ومطالبة سنة العراق بتغيير حقيقي وصراع البيت الشيعي على الزعامة ومحطات التوافق والخصام الغربي/ الإيراني على العراق تدور مشاهد تاريخية حاسمة قد تحدد ليس مصير العراق بل مصير الشرق بأسره، حتى الآن لا آفاق أو معالم واضحة لأي تغيير إيجابي.. ولكن تظل كل الاحتمالات قائمة في عراق الدم والأسطورة والخرافة والمفاجآت.

إيلاف

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .