العدد 2138
الجمعة 22 أغسطس 2014
banner
إنك قد تفشل وطنا! فرات البسام
فرات البسام
الجمعة 22 أغسطس 2014

في “البحث عن الحقيقة”، وهو الجزء العاشر، قال “نيكولاس مالبرانش” Nicolas Malebranche: “عندما يفضل أحدهم حياة حصانه على حياة “حوذيه” “سائق حصانه”، فإنّ لديه أسبابه، ولكنّها أسباب خاصّة تثير الرّعب في كل إنسان عاقل. إنّها في الأصل، أسباب ليست معقولة، لأنّها لا تتّفق مع سيادة العقل”.
مما لا شك فيه، أنّ التفسير الناجم لهذه المقولة هي بداهة صارخة. لكن إذا كان هذا النمط من التفكير يتجاوز الفردي ليصبح السلوك المميز لمجموعة من الأفراد داخل إدارة غير نزيهة أو لعلّها عديمة الكفاءة، وهذا لا يعني فشلا في الدولة أو النظام العام لكنه خلل في الأفراد أو بعضهم داخل هذه الإدارة فإنّ رعب الأفراد العاقلين الذي تحدّث عنه ‘’مالبرانش”، يصبح مستشريا.
قطعا، إن هناك فوارق شاسعة بين المتلقي الذكي الذي يقبل النقد الإيجابي على أنه إصلاح وبين الذي يحس في نقص قد يسلبه المنصب أو المال أو الجاه! وهذا أيضا يجعله أمام فريقين الاول إرادة بعض المسؤولين المعلنة في تغيير الصورة الباهتة للإدارة، وبين التغيير الواقع فعلا بالشكل الملموس. وبين من يحاول الإبقاء على نفسه من خلال التغطية والدفاع عن الفشل! وكما قيل لأحدهم إن التغيير يمكن أن يبقى مستحيلا، وإلى الأبد، لمن لديهم عقول مهووسة باستعمال منطق المخادعة والالتباس، أو من ليس بمقدورهم الانضمام إلى الإدارة الحديثة. ممّا يجعل عيونهم شاخصة لا تطرف، نحو هامش التفسير والتأويل قصد مخالفة النصوص الإدارية وتكريس الإدارة التعسفية التي هي في النهاية فعل هجومي ومظهر ملطّف من الاستبداد والمفارقة التاريخية un aspect att nu  de despotisme et d’anachronisme. وهما مرادفان، بالتأكيد،لإدارة لا تتنفس هواء عصرها.
وذكر في مقال سابق لأحد الفلاسفة مثل Vernaux ان “المواطن هو فرد، ولكن ليس أي فرد! إنّه مادة فردية ذات طبيعة عقلانيّة. إنّه فرد موهوب له عقل’’، إن بعض المسؤولين تأخذهم المتعة أحيانا في قول بعض الهراء ليستنقصوا من قيمة وجدارة بعض الناس ويحدوا من مزاياهم لدرجة أن البعض منهم يصيبه الشكّ في قدراته العلميّة والمهنيّة، فيفقد الثقة في نفسه تماما، رغم أن الدولة من أعلى هرم في السلطة الى كل أعضاء الحكومة تقدر وتدعم المتفانين والعقلاء.
المشكلة هنا أن الكفاءات العلميّة الممتازة لدى بعض العامة والموظفين البسطاء غالبا لا تتوفّر لدى رؤسائهم. وهو أمر غير مقبول، ولا يحدث إلّا في عالمنا العربي المنكوب بمسؤوليه في الأعم والأغلب. لذلك ترى أن بعض الدول العربية خصوصا الخليجية يحاول زعماؤها دعم العلم والتنمية البشرية والبحث عن كفاءات لكن العائق والحاجز هو بعض هؤلاء الذين يكونون في مواقع تؤهلهم الى تقديم الأفضل للمسؤولين وهذا لا يحصل إلا قليلا، كما ذكرت سابقا خوفا من نزع مناصبهم لمواطن أفضل.
يقول أفلاطون في كتابه “تمجيد سقراط’’ Apologie de Socrate: ‘’إنّ حياة بدون فحص لا تستحقّ أن نعيشها’’، إنّي أقول دون تردّد، إن إدارة يغيب عنها الإصلاح الشامل والنقاش والحوار والتغير الديمقراطي الذي يمكّن من تخفيف التسلط ويسهم في تحسين خدماتها هي غير جديرة باسمها وينطبق عليها ما قصده Rostand في قوله: “إنّنا نوهم أنفسنا أنّنا فعلنا كل شيء لفائدة العدالة عندما نشتم الظلم”.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .