العدد 2137
الخميس 21 أغسطس 2014
banner
أيها الوقت.. ارأف بالمترشحين غسان الشهابي
غسان الشهابي
ذرائع
الخميس 21 أغسطس 2014

على الرغم من الملاحظات الكثيرة التي تقال غالباً في هذه الفترة في كل أربعة أعوام، أي قبيل الحراك الجدي من أجل الوصول إلى الاستحقاق النيابي المقبل، فإن الأخطاء ذاتها تتكرر، والقصص نفسها تتردد، والتبرم عينه يتصاعد، والسبحة تكرّ في كل مرة، وتتفاجأ من أداء البعض قوة، ويصعقك ضعف أداء البعض الآخر على الرغم من الآمال التي كانت منعقدة عليه، وتمر السنون الأربع المقررة للفصل التشريعي، والخلاصات هي هي التي تصدر في كل مرة.
في الآونة الأخيرة، لم تخف علامات الدهشة، والعيون المفتوحة على اتساعها، والأفواه المفغورة، والحواجب المرفوعة، عند العلم بأن شخصاً ما (سواء كان ذكراً أم أنثى) رشح نفسه للمجلس النيابي المقبل، أو أن عضواً في هذا المجلس أعاد ترشيح نفسه من جديد على الرغم من أدائه في المجلس السابق. وواحدة من هذه النقائص التي تدعو إلى الدهشة هي الكمون الطويل نسبياً لعدد كبير من المترشحين الجدد لمدة أربع سنوات أو يزيد، وظهورهم فجأة أمام الملأ ليقنعوهم بالتصويت لهم بعد أسابيع معدودة، وهذا في حد ذاته خطأ تكتيكي، إذ لا يمكن أن يقتنع الناخب بـ “نائب الفجأة” الذي يظهر له من حيث لا يعلم، ويدفع بنفسه في هذا السباق الانتخابي من دون أثر حقيقي وتراكم تاريخي معقول يؤيد حظوظه. وأمام الجهل بالغالبية الكبرى من المترشحين الجدد، فإن الناخب أمام عدة خيارات تكسوها الضبابية، ويسود شكلها النهائي القول باختيار أفضل الخيارات المتاحة، وليس الأفضل على الإطلاق، وذلك إما لانتماء المترشح المذهبي، أو انتمائه السياسي، أو لقرابة عائلية، أو لتردده على المساجد، أو معرفة شخصية، أو لـ “مصلحة”، وهي النغمة الأكثر تردداً بالنسبة للمترشحين الخاسرين الذين كالوا التهم على غرمائهم بأنهم استخدموا “المال والخدمات والعطايا والهبات وأكياس الأرز والسكر ومكيفات الهواء والثلاجات... إلخ” لإمالة بسطاء الناس الذين لا يعلمون من العمل النيابي إلا أن لديهم شخصا من منطقتهم يلجأون إليه لتحسين ظروف معيشتهم الحياتية، وتسهيل عمليات التوظيف أو قضاء المصالح.
والعوامل التي سيقت سابقاً كأساس للاختيار، تعد أكثر عوامل الترشح شيوعاً، وجميعها لا تعني بالضرورة أن الأصوات تذهب إلى الخيار الأفضل من المتنافسين بل إلى المتاح منهم. وهذا ما يمكن تلمسه في السويعات القليلة التي تلي عملية التصويت ورمي الأوراق في الصناديق، إذ يشير عدد من الذين يشاركون في عملية التصويت الى انه لم يكن أمامهم خيار إلا فلان من بين المتنافسين، الأمر الذي يذكر بالانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2000، والتي جرت بين جورج بوش الابن وآل غور، حينما أوردت مجلة “نيوز ويك” على لسان ممثل مشهور قوله: “هناك مرشح باهت وآخر غبي... أظنني سأختار الغبي”!
فالوقت عامل من أهم عوامل المرشحين وغالباً ما يهملونها، وغالباً ما ينعكس سلباً على المترشحين الجدد، إذ إن الوجوه المتكررة في المجالس الثلاثة الماضية ظلت تشكل القواسم المشتركة بين النواب، خصوصاً فيما بين مجلسي 2006 و2010، قبل أحداث فبراير 2011 واستقالة كتلة “الوفاق”، وهذا مدعاة لصدق القول المأثور: من نعرفه خير ممن لا نعرفه، أو “مجنون أعرفه أحسن من عاقل أتخبط فيه”، كما يقول المثل الشعبي، مع حفظ كرامة جميع النواب والمترشحين على السواء.
والأمر يزداد تعقيداً وسوءاً بالنسبة للمرأة، التي لا تزال تحاول إيجاد طريقها المستريح والاعتيادي في السباقات الانتخابية. وعلى الرغم من الكثير من المقالات والدراسات عن حظوظ المرأة المترشحة في الانتخابات، سواء البلدية أو النيابية، والأسباب وراء تعثرها ونجاحها، وعلى الرغم من بعض النجاحات الخجولة في هذا الصدد، إلا أن عامل الوقت يضغط عليها أكثر من زميلها الرجل، وهذا ما يقلل حظوظها في الفوز أكثر وأكثر، وذلك نظراً لقلة العنصر النسائي المتقدم للتنافس في المقام الأول، ولغياب المرأة (كما هو غياب الرجل) عن المشاركة المبكرة في الحياة العامة، وبناء المواقف من القضايا المحلية والخارجية، وطرح حلول وآراء في كل ما يدور في الساحة حتى تخلق لنفسها قبولاً ومعرفة جماهيرية تعينها على اختصار الكثير من الجهد المكثف اللاهث الذي ستبذله، ليس في اتجاه برنامجها الانتخابي، بقدر ما هو جهد سينصرف على إقناع المرأة قبل الرجل، بأنها قادرة على التمثيل النيابي خير تمثيل.
إن الحديث غالباً ما يكثر عن الناخب الواعي، ووعي الناخب، وأهمية الإدلاء بالصوت لمن يستحقه، وأن الصوت أمانة، ولكن هذا الأمر لا يوفره أغلب المترشحين ليراهنوا عليه، إذ إنهم لا يمنحون ناخبيهم الوقت اللازم للتعرف عليهم كمترشحين محتملين، ولا يبنون وإياهم ما يعزز الثقة بهم، أو يؤسس للمعرفة اللازمة حتى يقرر من خلالها الناخب ما إذا كان هذا المترشح هو الأصلح له، أم أنه سيلجأ إلى الخيارات الأخرى الاعتيادية التي لا علاقة لها بشكل مباشر بالبرامج الانتخابية، بقدر ما تتعلق بالعوامل المذكورة، أو لعوامل ذات صلة بالممحاكات السياطائفية، والتي من ضمنها مناصرة أهل الطائفة نكاية بالطائفة الأخرى، حتى ولو كانت كفة الأفضلية تميل إلى هناك!
نحن لا نزال ننظر إلى الوقت بكثير من الاستخفاف، أو البساطة، أو المجانية، على أنه ليس من العوامل المهمة إلا في لحظاته الأخيرة. وهذا من الأمور التي تسري في جميع أوصال حياتنا: في المباريات الرياضية يجري تضييع الوقت ثم التركيز على آخر الدقائق. في المدرسة يجري الإهمال طوال الفصل الدراسي ثم التنبه إلى المراجعة ليلة الاختبار. وليس هذا ببعيد عن النواب أنفسهم الذين “يشطّون” أنفسهم في دور الانعقاد الأخير، ويحاولون دفع ما يمكن دفعه من المشاريع والقوانين والأسئلة وغيرها قبل أن يجري إغلاق الملف. وها نحن ذا أمام فرصة فُوتت من قبل المترشحين الجدد أكثر مما ضاعت على الوجوه المتكررة في المجلس، كان أساسها عنصر الوقت الذي غاب عن التخطيط، ما يعني إعادة انتخاب من نعرف... في الغالب.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية