العدد 2209
السبت 01 نوفمبر 2014
banner
عين العرب المجروحة أحمد مبارك سالم
أحمد مبارك سالم
وقفات
السبت 01 نوفمبر 2014

في خضم ما يجري في بلاد الشام والعراق منذ إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام إنشاء كيانها، ومع تداعيات الأوضاع ما بين كر وفر في ظل ضرب التحالف الدولي لمكامن القوة في نظام داعش، تبرز لنا أحداث تتداولها الأخبار هذه الأيام بصورة ملفتة للنظر، وهي ترتبط بمدينة تقع على الحدود السورية التركية تدعى “عين العرب”، أو كما تسمى في اللغة الكردية “كوباني”.
وإذا كانت دولة كردستان العراق قد أرسلت مؤخراً قوة عسكرية لوقف حصار مقاتلي الدولة الإسلامية لهذه المدينة التي يقطن فيها قرابة النصف مليون، فإن تنظيم الدولة الإسلامية بث تسجيلاً مصوراً يتضمن صوراً جوية التقطتها طائرة من دون طيار مسيرة عن بُعد لمدينة عين العرب “كوباني”، والتي أعلن أن المعركة في المدينة قد شارفت على النهاية لصالحه، حيث حمل التسجيل المصور عنوان: “من داخل عين الإسلام كوباني” وفق تسمية التنظيم، كما أظهرت لقطات منه معبر مرشد بينار الحدودي وصوامع للحبوب على الجانب التركي من الحدود.
وظهر في التسجيل الرهينة البريطاني جون كانتلي وهو يتحدث عن سيطرة مقاتلي التنظيم على مساحات واسعة من المدينة، وأشار في حديثه إلى أن القتال مع المقاتلين الأكراد المدافعين عن المدينة انتقل إلى مرحلة التمشيط “من شارع لشارع ومن بناية لبناية”، كما قال كانتلي في التسجيل إنه في داخل المربع الأمني لقوات حزب العمال الكردستاني “بي كي كي” وسط كوباني، والذي قال إنه تحت سيطرة تنظيم الدولة، كما اعترف بأن ضربات التحالف منعت المقاتلين من استخدام دباباتهم وأسلحتهم الثقيلة في معركة كوباني كما كانوا يخططون، إلا أنهم استخدموا الأسلحة الخفيفة في دخولهم إلى المدينة.
وبناء على هذه المعطيات، فقد أصبحت مدينة “عين العرب – كوباني” هي محطة الصراع التي منها تتغير قواعد اللعبة إما لصالح تنظيم داعش وإما لصالح قوى التحالف الدولي الذي مازال يكتفي بالضربات الجوية على التنظيم.
منذ شهرين وعين العرب كوباني مجروحة بسبب استمرار الاشتباكات بين مسلحي تنظيم الدولة ومجموعات كردية، لاسيما في ظل ما تؤكده تقارير إعلامية من أن التنظيم قد سيطر على مساحات واسعة منها تسكنها في الأساس غالبية كردية، مما اضطر نحو مئتي ألف من سكان المدينة والمناطق المحيطة بها للفرار إلى تركيا في الأيام الأخيرة.
هذا هو ملخص آخر الأخبار التي ترصدها مختلف القنوات الإخبارية على اختلاف وسائطها عن الأوضاع في تلك المدينة الجريحة، ولا شك أنه في خضم هذه التصعيدات فإن أهالي المدينة المنكوبين سيظلون يعانون الأمرين بسبب الصراع الدائر هناك.
وإنها لمفارقة عجيبة تقع في ذهن من يقرأ كتب التاريخ الإسلامي إبان عز الأمة، فما كنا نقرأه في هذه الكتب بأنه إبان الفتوحات التي كان يقودها المسلمون نشراً للإسلام تقع ردة فعل تفوق بكثير ردة فعل من يسمع ويرى ما يقوم به هذا التنظيم من تشريد وتنكيل بأهالي الأقاليم التي يسيطر عليها، وهناك من القصص التاريخية الكثير والكثير مما يرصد الأحداث التاريخية في فتوحات المسلمين، وكيف كانوا يبدأون بدعوة أهل الإقليم إلى الإسلام، وأنهم ما قاتلوا رؤوسهم إلا لإيصال حقائق الدين إلى أهل الأرض جميعاً، وهي غاية تنفي غرض الحاجة لجهاد الطلب في ظل توفر التقنيات الحديثة التي تمكن من نشر تعاليم الدين في الأرض دون حروب.
وإذا كان المسلمون في السابق يفتحون البلدان غير الإسلامية لينشروا فيها العدالة والاستقرار، فإن أمثال داعش لا يستهدفون بما يقومون به إلا تكفير المخالف لتبرير انتهاك حرمته والاعتداء عليه باسم الإسلام، والإسلام من ذلك براء، فأعان المولى تعالى أهالي عين العرب – كوباني على مصابهم الجلل الذي ابتلوا من خلاله بأمثال هؤلاء، ورزقنا وإياهم الأمن والأمان... اللهم آمين.

زبدة القول
إن الراصد لما يقوم به هذا الكيان الذي يطلق على نفسه دولة إسلامية يقف موقف المستنكر على ما تقوم به هذه الدولة المزعومة من تشويه لصورة الإسلام؛ ليبقى التساؤل المثار ضمن هذا النطاق... إذا كانت قصة نشأة هذا التنظيم قد انطلقت منذ عدة أشهر، فمتى ينتهي هذا الكابوس الذي جثم على صدر الأمة الإسلامية فشوه سمعتها وأذاق أهل الشام والعراق منها ويلات العذاب؟.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية .