قصص مقروءة ومسموعة.. وأخرى طيّ الكتمان والمستهدف “ابن البلد”
تحقيق "البلاد": أساليب “تطفيش” البحرينيين.. كوميديا سوداء منبوذة
بداية، لم تكن المعلومة أو القصة صادمة على الإطلاق! كيف؟ من باب استطلاع آراء القراء الكرام حول ما إذا كان سلوك استهداف البحرينيين، لا سيما العاملين في القطاع الخاص من جانب غير البحرينيين، يمثل ظاهرة موجودة في أماكن العمل، أجاب موظف متقاعد: ”والله بالنسبة لي وبكل صراحة.. اللي سبب لي الأذية للأسف بحريني.. نعم، بعض المسؤولين الأجانب يسوونها، بس يحز في نفسك إن اللي ترصد لك واحد منك وفيك”.
ومع شديد الأسف، هناك الكثير من القصص التي عاشها بحرينيون في أماكن العمل وعانوا من ممارسات الاستهداف والتنكيل و “التطفيش”، وبالطبع، تصبح أشد وطأة حينما تكون من مسؤول بحريني، أما المسؤول الأجنبي فقد يمارس هذا السلوك لكن حينما تدقق في الوضع، تجد أيضًا أن صاحب العمل البحريني هو من ترك له “الخيط والمخيط” كما نقول بالعامية.
وفي الغالب، لا يتبع الموظف أو الموظفة المستهدفين اللوائح والإجراءات، إما جهلًا بها أو يعلمون بها لكنهم يخشون تبعات تلك الإجراءات، فالقانون يحمي البحريني في حال تعرضه لسوء معاملة في العمل من قبيل الاستهداف والتضييق والاعتداء والإساءة، سواء كانت جسمانية أو معنوية أو لفظية، أو إساءة استخدام السلطة الإدارية في المعاملة، وقانونيًّا، وهذا حق للموظفين، بالإمكان اللجوء إلى الجهات الرسمية.
وهذا الإجراء يعني بالمقام الأول أن يعرف الموظفون حقوقهم، وبالتالي، عليهم توثيق كل إساءة بالمراسلات والشهود والتقارير.. فهل ذلك ممكن على أرض الواقع؟ سنقرأ الإجابة في مضمون السطور التالية.
بالإمكان الدخول إلى الموقع الإلكتروني لوزارة العمل، واختيار قسم التسجيل والبت في شكاوى العاملين بالقطاع الخاص بالنسبة للموظفين والموظفات والعمال الذين يعانون من مشاكل في عملهم، وطبق قانون العمل رقم (36) لسنة 2021 والقرارات المنظمة له، فإن التحقيق في الشكاوى التي يتقدم بها العاملون في القطاع الخاص، يمهّد الطريق للوصول إلى الحلول التوافقية والقانونية لحل الشكوى بين العامل والمنشأة، علاوة على إمكانية تقديم الشكوى حضوريًّا بالوزارة.
سواء كان المسؤول بحرينيًّا أم أجنبيًّا، فإن هناك العديد من القصص المقروءة أو المسموعة من قبيل “الاستهداف بالتطفيش”! وتتعدد أشكال التضييق على الموظفين في بعض الأحيان بأساليب لا تخالف الأنظمة والقوانين فحسب، بل تخالف حتى القيم الاجتماعية والعلاقات وحق الإنسان في العيش الكريم وكسب لقمة عيشه بكرامة، وهو ما يتسبب في اضطراب بيئة العمل وينتج عنه رفع الشكاوى أو التقاعد أو الاستقالة، وربما تسبب هذا الوضع في صدام بين مسؤول وموظف قد يصل للاشتباك بالأيدي! وقد تفقد المؤسسة كفاءات وخبرات والسبب الجوهري هو افتقار المسؤول للقدرة القيادية والإدارية في حل المشكلات.
خصمك القاضي!
والسؤال:”هل يمكن اعتبار التضييق واستخدام أساليب التطفيش ظاهرة في سوق العمل خصوصًا من جانب المسؤولين عن الموارد البشرية من غير البحرينيين؟”، وفي إجابته، يقول رئيس نقابة المصرفيين البحرينية والأمن العام المساعد للشباب في الاتحاد العربي لعمال المصارف والتأمينات والأعمال المالية هيثم الرشدان: “إذا كان خصمك القاضي، فمن تُقاضي؟ كيف يُنصفك مدير أجنبي إن وضعك في باله سلبًا؟”.
ثم يثير نقطة صريحة حول نزاهة التقييم الوظيفي عندما يكون الرئيس التنفيذي أجنبيًّا والمسؤول عن التوظيف بحرينيًّا تابعًا له في التقييم السنوي، فمن المهم يكون تقييم إدارة الموارد البشرية مباشرًا من مجلس الإدارة على غرار المدقق الداخلي، كما يرى أن الأجنبي قد يتحول إلى “قنبلة موقوتة”! لأن الإحلال الوظيفي لا يعني فقط توظيف المواطن بل هو استثمار مباشر في استقرار الاقتصاد.
عصا موسى
ويضيف يقوله: “لا نحتاج إلى “عصا موسى” لاكتشاف التحيز.. فقط ألق نظرة على الهيكل الوظيفي وستفهم”، وربما يشخص الرشدان هذه الحالة في القطاع المصرفي وما يحدث في بعض المصارف، لكنه يشير في الوقت ذاته إلى البحرنة ثم البحرنة! فيشرح بقوله: “البحرنة ليست مستحيلة، بل يمكن تطبيقها كما حدث في تجارب ناجحة بدول خليجية شقيقة، إلا أن الواقع يكشف عن تحيّز واضح لصالح بعض الجنسيات الأجنبية، حيث تسود “مافيات وظيفية” تهيمن على مفاصل إدارية حساسة في القطاع المصرفي على سبيل المثال”.
ومن الأمثلة الواقعية التي يلفت لها الرشدان هي أن إدارة المخاطر في الكثير من المصارف مسيطَر عليها بالكامل من قِبل الأجانب، وهو أمر يتطلب تدخّل الجهات الرقابية وتفعيل دور إدارة الموارد البشرية في بحرنة هذه الأقسام، مطالبًا بإشراك النقابات في إيصال صوت العمال إلى المشرّعين وضرورة وجود قيادات بحرينية تفرز أجيالًا من الكفاءات الوطنية.
العمالة الرخيصة
“المافيات تغلفها الخصخصة.. والنتيجة هي تطفيش البحرينيين”.. في هذا الجانب يتحدث رئيس النقابة العامة لعمال “أسري” جاسم محمد عتيق العميري الذي يرى أن سبب سيطرة العمالة الأجنبية ليس الكفاءة، بل تمويه اقتصادي تحت مظلة “العمالة الرخيصة”، التي يفضّلها القطاع الخاص هروبًا من الالتزامات المالية والأخلاقية تجاه الموظفين، ويوضح أكثر بالقول: “الأجنبي يأتي بمبدأ الخضوع والطاعة، ورب العمل يحتفي به أكثر من ابن البلد”.
ويؤمن العميري بأن الشخصية البحرينية أقوى، وهذا ما يجعل أصحاب العمل ينفرون منها، لأن البحريني لا يتغاضى عن الأخطاء، بينما الأجنبي يتغاضى ويغطي على العيوب، ويتم تهميش المواطن عمدًا لخلق صورة ذهنية أنه لا يصلح، بينما الأجنبي “حريص” على العمل، وفيما يتعلق بسيطرة الأجانب على المناصب، حيث يتعمد البعض جلب أفراد من جنسيته وتوظيفهم ضمن حلقات مغلقة، ما يشكّل نوعًا من الإقصاء الممنهج للبحرينيين، مشيرًا إلى أن شهادات الأجانب لا تُدقق كما تُدقق شهادات البحريني.
ولدى العميري مجموعة من الرسائل الواضحة والمباشرة، منها أن البحرنة لا يجب أن تكون شعارًا، بل سياسة ثابتة تُترجم إلى أرقام وهيكل وظيفي، ولابد من تدخل تشريعي حازم لمراقبة نسب البحرنة، خصوصًا في المناصب القيادية والوظائف الإشرافية، ويجب فرض عقوبات حقيقية على الشركات المخالفة لسياسات التوظيف الوطني، وتفعيل دور النقابات في إعداد تقارير مهنية تُرفع إلى مجلس النواب والحكومة بشكل دوري.
ويختم بالقول: “القضية ليست في كفاءة البحريني، بل في بيئة وظيفية يُعاد تشكيلها بشكل يعيق فرصه.. البحرنة لا تتطلب شعارات بل آليات رقابية فعّالة، وإرادة سياسية تُنصف المواطن وتحمي كرامته”.
الدوسري للمتعرضين للتطفيش في العمل: قدموا بلاغات للشرطة
كيف يستفيد البحريني من القانون لعدم التعرض للإساءة أو محاولات “التطفيش”؟ وتأتي الإجابة من المحامي إبراهيم الدوسري الذي ينوّه إلى أن المواطن البحريني يتمتع بمجموعة من القوانين التي تكفل له الحماية من الإساءة أو محاولات التضييق المتعمد، سواء في الحياة العامة أو في بيئة العمل. من أبرز هذه القوانين: قانون العقوبات البحريني وقانون وقانون العمل، والتي تضع أطرًا واضحة لحماية الكرامة الشخصية والحقوق الأساسية.
وفي حال تعرض الشخص للإساءة اللفظية أو المعنوية، أو لمحاولات الضغط أو التضييق بغرض التطفيش – سواء من جهة عمل أو أفراد – يمكنه اللجوء إلى الجهات الرسمية مثل تقديم شكوى لدى النيابة العامة أو التواصل مع وزارة الداخلية أو مراكز الشرطة، أو رفع شكوى لدى وزارة العمل إن كانت الإساءة في بيئة العمل، فالقانون لا يحمي فقط من الاعتداءات الجسدية أو المباشرة، بل أيضًا من الإساءة النفسية أو إساءة استخدام السلطة أو التجاوز في المعاملة، خصوصًا إذا كانت هناك نية واضحة للتهميش أو الضغط غير المشروع.
ومن المهم أن يعرف كل مواطن حقوقه، ويوثق أي إساءة يتعرض لها (بالمراسلات، الشهود، التسجيلات إذا كانت قانونية) ويأخذ خطوات قانونية جدية لحماية نفسه، فعلى سبيل المثال، وبالرجوع إلى قانون العمل في القطاع الأهلي نجد أن المادة 39 في الفقرة الأولى نصت على: “يحظر التمييز في الأجور لمجرد الاختلاف الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، وفي الفقرة الثانية :”يحظر التمييز في الأجور بين العمال والعاملات في العمل ذي القيمة المتساوية”، كما نصت أحكام المادة 76 من ذات القانون في آلية إجراءات اتخاذ صاحب العمل عند توقيع أي جزاءات ضد العامل، وإلا اعتبر إجراءاته معيبة ولم تستند على صحة القانون.
والخلاصة التي يسوقها الدوسري هي أن القانون البحريني وُضع ليحمي الناس، لكن الحماية تبدأ بالوعي، وبأن لا يسكت الإنسان عن حقه.
الصحافي الافتراضي عبدالله يكتب عن “أكثر الممارسات شيوعا للتطفيش”
تعتبر أساليب تطفيش الموظفين، سواء كانوا بحرينيين أو غيرهم، هو سلوك غير أخلاقي وضد مبادئ الإدارة المهنية والعدالة الوظيفية، لكن الأساليب السيئة التي قد تُستخدم (بشكل واقعي أو شائع) لتطفيش الموظفين البحرينيين من وظائفهم لها عدة أوجه أولها “التهميش المتعمد” ومن صوره: عدم تكليف الموظفين بمهام تناسب كفاءتهم، وعدم إشراكهم في مشروعات مهمة أو فرص تطوير، وكذلك تجاهل وجهات نظرهم في الاجتماعات.
وهناك “التمييز في المعاملة”، والذي يشمل تفضيل الأجانب أو جنسيات معينة في الترقية أو التدريب، وتطبيق معايير مزدوجة في التقييم والأداء، ومن الأشكال السيئة كذلك “الضغط النفسي المتواصل” كتوجيه ملاحظات سلبية مبالغ فيها، وتحميل الموظف مهامًا فوق طاقته، وتهديده الضمني أو المباشر بعدم الاستقرار الوظيفي. ويعتبر إلغاء المميزات أو الامتيازات جزءًا من “التطفيش” كسحب بعض الحقوق دون مبرر، أو منع العمل عن بعد أو الحرمان من الإجازات المسموح بها، فيما “التقييم السلبي المتعمد” يعني إعطاء تقييم أداء غير عادل لتبرير فصله لاحقًا أو عدم ترقيته، وتجاهل إنجازاته في تقارير الأداء.
والأسوأ من ذلك كله، هو نشر الإشاعات أو تشويه السمعة كالتلميح بأن المستهدفين غير ملتزمين ولا كفاءة لديهم، ونشر معلومات مضللة عنهم لدى الإدارة أو بين زملائهم، ويعقبه سلوك “مخطط له” وهو تجميد المسار المهني، بعدم منح المستهدفين فرص الترقي أو المشاركة في الدورات التدريبية، وإبقائهم في نفس الوظيفة والمنصب لسنوات دون مبرر موضوعي، ويعاني بعض البحرينيين من هذه الأساليب ضمن بيئة عمل مختلطة، خاصة في القطاع الخاص، حيث قد تُفضل بعض الشركات العمالة الوافدة لأسباب مالية أو إدارية، وهذا السلوك يتعارض مع سياسة التوظيف الوطني التي تدعمها الدولة.
لكن، ماذا يفعل الموظف في حال التعرض لذلك؟ هنا، يتوجّب عليه توثيق كل الحالات كتابةً، والتقدم بشكوى لإدارة الموارد البشرية، واللجوء إلى وزارة العمل أو ديوان الخدمة المدنية، وطلب الدعم من نقابات أو جهات إعلامية موثوقة عند الضرورة.