+A
A-

تحقيق "البلاد": إسفنجة المطبخ.. مستعمرة جراثيم خطيرة تهدد صحة العائلة

  • إسفنجة واحدة تأوي 362 نوعا من البكتيريا

  • أخطر أنواع البكتيريا تظل 16 يوما على إسفنجة المطبخ

  • التعقيم بالميكروويف أو الاستبدال أنجع سبل الوقاية

  • إسفنجة السيليكون أو الفرشاة البلاستيكية الأكثر أمانا

 

أمل العراديقد تبدو إسفنجة المطبخ أداة متواضعة لا تثير الشكوك، فهي صغيرة، مرنة، وسهلة الاستخدام، وتُستعمل يوميًا في تنظيف الأطباق، الكؤوس، الأسطح، وأحيانًا حتى الفواكه، والخضراوات، إلا أن هذا الجسم البسيط الذي يمتلئ بالصابون والرغوة يوميًا، يخفي وراءه خطرًا حقيقيًا، يتسلل بصمت إلى صحة الأسرة من أوسع أبواب المنزل: المطبخ. إنها واحدة من أكثر الأدوات المنزلية تعرضًا للتلوث، وأكثرها قدرة على نقل البكتيريا؛ بسبب ما توفره من بيئة مثالية لنمو الجراثيم.
في العام 2017، نشرت مجلة Scientific Reports دراسة علمية أعدّها باحثون ألمان من جامعة “فورتفاغن”، توصّلت إلى نتائج صادمة بشأن مدى تلوث إسفنجة المطبخ، حيث تبيّن أن الإسفنجة الواحدة يمكن أن تحتوي على 362  نوعًا مختلفًا من البكتيريا، منها أنواع ترتبط مباشرة بأمراض معوية خطيرة مثل السالمونيلا والإيشيريشيا كولاي (E. coli). بل ذهبت الدراسة إلى حد تشبيه الإسفنجة بـ “أكبر خزان بكتيري في المنزل”، مشيرة إلى أن بعض عينات الإسفنج التي تم تحليلها تجاوزت في نسبة تلوثها مقاعد المراحيض.

لكن هذه ليست الدراسة الوحيدة التي دقت ناقوس الخطر، إذ أجرت جامعة ميسينا الإيطالية دراسة مشابهة بالعام 2019، إذ أكدت أن إسفنجات المطبخ تحتوي على تركيزات عالية من نفس أنواع الجراثيم المذكورة، وخلصت إلى أن الاستخدام طويل الأمد دون استبدال يُضاعف من خطر انتقال الأمراض عبر الطعام الملوث.

ولم تتوقف البحوث عند هذا الحد، ففي دراسة منفصلة أجرتها جامعة هوستن الأميركية في العام 2020، تبين أن بكتيريا مثل الإيشيريشيا كولاي والعنقودية الذهبية يمكن أن تبقى حية على إسفنجة المطبخ لمدة تصل إلى 16 يوما، حتى بعد استخدام مواد تنظيف تقليدية، وأشارت الدراسة إلى أن المناشف وإسفنجات التنظيف في المطبخ هي من بين أكثر الأسطح المنزلية عرضة للاحتفاظ بالجراثيم المقاومة للتنظيف التقليدي.

د. فاطمة محسنوهنا يكمن الخطر الأكبر، إذ إن معظم الأفراد لا يتوقعون أن هذه الأداة، التي تبدو بريئة للوهلة الأولى، ناقوس يدق أجراس الخطر في منازلنا ناقلا أخطر الأمراض خلال ثوان من طبق إلى آخر، ومن يد إلى أخرى، ما يجعل من الضروري إدراج هذا الموضوع ضمن جهود التوعية الصحية، سواء عبر المدارس، أو مراكز الرعاية الصحية والطبية، أو عبر المنصات الرقمية.

وفي هذا الصدد، قالت د. فاطمة محسن، طبيب عام بمستشفى الهلال، إن إسفنجة المطبخ تُعد بيئة مثالية لنمو الميكروبات بسبب رطوبتها واحتوائها على بقايا الطعام، مشيرة إلى أن من أبرز أنواع الميكروبات التي يمكن أن توجد فيها: الإشريكية القولونية (E. coli)، السالمونيلا (Salmonella)، المكورات العنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus)، الكلبسيلا الرئوية (Klebsiella pneumoniae)، والزائفة (Pseudomonas spp).

وأوضحت د. فاطمة أن تنوع هذه الميكروبات وكمياتها يختلف بحسب استخدام الإسفنجة، خصوصا عند استخدامها في تنظيف اللحوم النيئة، وكذلك تبعا للظروف البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة.

وأكدت أن معظم الميكروبات الموجودة في إسفنجة المطبخ إما ضارة أو محتملة الضرر، خصوصا تلك المرتبطة بالأمراض المنقولة عن طريق الطعام، مضيفة أن الإسفنجة ليست موطنا للميكروبات النافعة، بل تعد من أكثر أدوات المطبخ تلوثا، مشيرة إلى أن الرطوبة وبقايا الطعام داخل الإسفنجة تهيئ بيئة مثالية لنمو وتكاثر هذه الكائنات الدقيقة، حيث توفر الرطوبة وسطا مناسبا لبقاء البكتيريا والفطريات، بينما تعد بقايا الطعام مصدرا غنيا بالعناصر الغذائية اللازمة لنموها.

وبيّنت أن التركيب المسامي للإسفنجة يسمح بتجمع الرطوبة وبقايا الطعام، ما يصعب تنظيفها بشكل فعّال، ويؤدي إلى تراكم وتكاثر البكتيريا مثل E. coli وSalmonella، وهو ما يرفع خطر التلوث وانتقال العدوى عند استخدامها في تنظيف أدوات الطعام أو الأسطح.

وأضافت د. فاطمة أن من أبرز الأمراض الناتجة عن استخدام إسفنجة ملوثة: التسمم الغذائي الناتج عن بكتيريا مثل Salmonella وE. coli وCampylobacter، والتهاب المعدة والأمعاء الفيروسي مثل نوروفيروس، وعدوى الجهاز الهضمي مثل داء الشيغيلات (Shigellosis)، بالإضافة إلى عدوى المكورات العنقودية الذهبية التي تزداد خطورتها في حال وجود جروح على اليدين، وكذلك بعض أنواع الطفيليات مثل Giardia في حال تلوث الإسفنجة ببراز حيواني أو إنساني.

د. بشرى آل شرفوعن طرق تعقيم الإسفنجة، أوصت د. فاطمة باستخدام الميكروويف بعد ترطيب الإسفنجة وتسخينها لمدة دقيقة، أو وضعها في غسالة الصحون على الرف العلوي ضمن دورة ساخنة، مع ضرورة استبدال الإسفنجة كل 5 - 7 أيام أو بمجرد صدور رائحة كريهة منها.

كما أكدت أن البدائل مثل إسفنج السيليكون أو الفراشي البلاستيكية تعد أكثر أمانا من الإسفنج التقليدي من الناحية الطبية، بسبب كونها أقل امتصاصا للرطوبة، وأسهل في التنظيف والتعقيم، بالإضافة إلى طول عمر استخدامها، وامتلاكها أسطحا غير مسامية لا تسمح بنمو البكتيريا والفطريات.

وردا على الاعتقاد بأن إسفنجة المطبخ أكثر تلوثا من مقعد المرحاض، قالت د. فاطمة إن هذا الاعتقاد صحيح علميا إلى حد ما، حيث أثبتت دراسات ميكروبيولوجية أن الإسفنجة تُعد بيئة مثالية لنمو الميكروبات بسبب رطوبتها الدائمة، وبقايا الطعام العالقة، ودرجات الحرارة المعتدلة في المطبخ، إلى جانب قلة تعقيمها أو استبدالها بانتظام، في حين أن مقعد المرحاض غالبا ما يتم تنظيفه وتطهيره باستمرار ولا يحتفظ بالرطوبة أو المواد العضوية لفترات طويلة.

وتوقعت ظهور أدوات تنظيف ذاتية التعقيم في المستقبل القريب، مشيرة إلى أن بعض هذه الأدوات بدأت بالفعل في الظهور في الأسواق، مثل إسفنجات أو فُرش تحتوي على مواد مضادة للبكتيريا، أو تلك التي يمكن تعقيمها تلقائيا باستخدام الحرارة أو الأشعة فوق البنفسجية، بالإضافة إلى مواد ذكية تُغير لونها عند تلوثها أو انتهاء فعاليتها، وتصاميم تمنع احتجاز الماء وبقايا الطعام، ما يساهم في تقليل نمو البكتيريا وتحسين السلامة المنزلية.

وختمت د. فاطمة محسن بتوصيات وقائية تشمل: تغيير الإسفنجة أسبوعيا أو عند ظهور رائحة كريهة، وتعقيمها يوميا باستخدام الميكروويف أو الماء المغلي أو محلول مبيض مخفف، وتخصيص إسفنجة لكل نوع من الأسطح لتقليل انتقال الجراثيم، وتجفيف الإسفنجة بعد كل استخدام، وغسل الفُرش البلاستيكية وتجفيفها جيدا، وتجنب استخدام قطع قماش متسخة، مع ضرورة غسل اليدين قبل وبعد تنظيف أدوات المطبخ، مشددة على أن اتباع هذه الإرشادات يساهم في تقليل خطر التلوث والحفاظ على بيئة مطبخ صحية وآمنة.

بدورها، أكدت د. بشرى آل شرف استشارية طب العائلة في المستشفى ذاته أن بعض البكتيريا الموجودة في الإسفنجة قد تتسبب في أمراض حادة وخطيرة، مردفة أن: “أكثر أنواع البكتيريا شيوعا التي يتم رصدها في إسفنجات المطبخ تشمل السالمونيلا، الإيشيريشيا كولاي، والعنقودية الذهبية (Staphylococcus aureus)، وهذه البكتيريا لا تكتفي بالتكاثر داخل الإسفنجة، بل تنتقل إلى الأواني، والأسطح، ومن ثم إلى الطعام، ما يرفع من احتمال الإصابة بأمراض مثل التهاب المعدة والأمعاء الحاد، والالتهاب الرئوي، والتهاب السحايا في بعض الحالات الشديدة.

وأوصت د. بشرى باستخدام بدائل أكثر أمانا مثل إسفنجات السيليكون، أو الفرشاة البلاستيكية، التي لا تحتفظ بالرطوبة وتجف بسرعة، ما يقلل من فرص نمو البكتيريا، وتقول: ”في حال أنه لابد من استخدام إسفنجة المطبخ بشكل مستمر فلابد من تعقيمها عن طريق غسلها جيدا وتجفيفها أما بالمجففة أو الميكروويف.

وبالرغم من هذه التحذيرات، ما تزال الممارسات المنزلية تشير إلى غياب وعي كافٍ بخطورة هذا الموضوع. أم يوسف، وهي ربة منزل، تقول: ”أنا أبدّل الإسفنجة كل أسبوعين تقريبا، لأن استخدامها المتواصل يخربها، وكذلك منعا لتكاثر الميكروبات، فبعد كل استخدام يتم غسلها عن بقايا الطعام وتجفيفها جيدا، خصوصا أني لاحظت أنها إذا بقيت مبللة تصدر رائحة غير محببة”، مؤكدة على أنها تغسلها بماء ساخن، ولكنها لم تكن تعرف أنه يجب أن تُعقم بالميكروويف.

أما أم علي، وهي معلمة وربة منزل، فتؤمن بأن تخصيص إسفنجة لكل مهمة في المطبخ هو الحل الأمثل للحفاظ على النظافة، وتوضح قائلة:

“أخصص إسفنجة لكل غرض، فمثلا هناك إسفنجة خاصة لغسل الأواني، وأخرى لتنظيف الأسطح، وثالثة للخضار. أما إسفنجة المواعين فأستبدلها كل شهر، وأحرص دائما على عصرها جيدا بعد الاستخدام ووضعها في مكان جاف حتى لا تبقى رطبة. أما إسفنجة الأسطح، فأقوم بتغييرها عندما تتضرر أو تتشبع بالدهون. وبالنسبة للخضار، فأستخدم فرشاة مخصصة، لأن الخضار لا تحتاج لفرك قوي، وغالبا أنقعها بالخل والماء ثم أغسلها بلطف”.

هذه الآراء تشير إلى أن هناك تفاوتا في الوعي والممارسات المنزلية، إذ إن بعض الأسر بدأت بالفعل بتطبيق عادات أكثر أمانا، مثل تخصيص إسفنجة لكل مهمة، أو استخدام الفرشاة بدلا منها، بينما تواصل أسر أخرى استخدام الإسفنجة لأسابيع وربما لأشهر دون استبدال أو تعقيم، وهو ما يعزز خطر انتشار الجراثيم داخل المطبخ.

وبالحديث عن طرق الوقاية، تشير الدراسات والممارسات الطبية، إلى أن التعقيم الدوري للإسفنجة يمكن أن يحدّ من تكاثر البكتيريا، لكنه لا يقضي عليها بالكامل في كثير من الأحيان، ومن أبرز طرق الوقاية وضع الإسفنجة في الميكروويف لمدة 30 ثانية بعد ترطيبها، ما يساعد على قتل جزء كبير من البكتيريا، أو غليها في الماء لمدة لا تقل عن الدقيقتين ومن ثم تجفيفها في أشعة الشمس أو في مجفف الأواني، أو استبدالها بالكامل كل أسبوع أو أسبوعين.

ومع تسارع وتيرة الحياة اليومية، وتزايد الاعتماد على الأدوات سريعة الاستهلاك في المنازل، تبرز الحاجة الملحة لإعادة النظر في أساسيات النظافة، لاسيما في المطبخ، فالإسفنجة، التي تُستخدم عشرات المرات خلال الأسبوع، يجب ألا تُعامل كأداة دائمة، بل كمنتج سريع التلف يستوجب الاستبدال المنتظم، إذ إن كلفة تغييرها تعد زهيدة مقارنة بتكلفة العلاج من الأمراض الناتجة عن التلوث الميكروبي.

ويُعد المطبخ نقطة محورية في الروتين اليومي لأي أسرة، ما يستدعي اهتماما خاصا بنظافته، وبالرغم من بساطة شكلها ووظيفتها، إلا أن إسفنجة المطبخ قد تتحول إلى مصدر رئيس للمشكلات الصحية إن أسيء استخدامها. ولذلك، فإن الوقاية تبدأ من أدق التفاصيل: إسفنجة نظيفة، استخدام مخصص، تجفيف دائم، واستبدال دوري.

وفي الختام، فإن إدراك خطورة الإسفنجة كونها بيئة خصبة لتكاثر البكتيريا، وليس مجرد أداة تنظيف يومية، قد يحدث فرقا حقيقيا في الوقاية من الأمراض داخل المنزل. فالبكتيريا لا تُرى بالعين المجردة، لكن سبل الوقاية منها واضحة ومتاحة، تبدأ بخطوة بسيطة.. إسفنجة آمنة.