العدد 4457
الأحد 27 ديسمبر 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
الخروج عن السرب!
الأحد 27 ديسمبر 2020

“الكاتب لا ينهي روايته أبدًا بل يتخلى عنها”- غابرييل ماركيز، حان وقت إجازة للتنفس بعد أربعين سنة كتابة، وفاء للحرف والكلمة والقلم، ما أعظمها من حساسية، الكاتب غير الصحافي، هذا ما فهمتهُ بعد تجربة حقبة أربعين سنة برحى طواحين الكتابة وأتون القلم، بين مجلة وجريدة وصحيفة، وهنا أيضًا فرق لن أدخل بالتفاصيل. لم أتعب يومًا ولم أتوقف بسبب مرض أو سفر أو إجازة إلا بحالةٍ طارئة خارجة عن الإرادة حين يستعصي القلم وتبدو النفس تتوق للتنفس والتحرر من مسؤولية الكلمة، أشعر أنني كنت سجين الكلمة، كونها عصية على الكاتب عندما يدرك حساسيتها، فتخيّل أربعين سنة تحمل على ظهرك جبلا اسمه كتابة.


لا أقول تعبت ولكن حان وقت أخذ استراحة، تنفس ونقاهة وتحرر من عبء الوقت ومواعيد الكتابة ومطاردة التسليم والاكتفاء بكتابة خارج السرب حتى لا أكون ملتزمًا بمسؤولية مرهقة كالتي حملتها لسنواتٍ.


القلم يتعب قبل الكاتب صدقوني، لذلك استقال وحلَّ مكانه الكيبورد، والكيبورد مغر بدرجة لا تصدق للكتابة ولكنه لا يقل خطورة وتهورا عن القلم، لا فرق بينهما برحلة الكتابة، تأخذك مسافات تعلم أو لا مداها، كنت بهذه المدة كاتبًا مسؤولًا أمام نفسي ومجتمعي، مسؤولاً أمام الحياة ذاتها، لم أجرح ولم أتعد ولم أسئ ويكفيني أنني لم استدع يومًا لتحقيق ولم أتعرض لمحاكمة، لأنني كنت أدرك أن الأسلوب هو الكاتب.. اكتب ما تشاء ما يخلد برأسك بطريقة يقرأها الجميع من دون تعريض أو تحريض أو إساءة.. هذا هو الكاتب.


ربما هذا الأسلوب أتعبني وربما أبعدني عن الإثارة وربما لم يعجب البعض أو يغريهم لكنه الأسلوب الذي جعل الراحل الكبير سمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان طيب الله ثراه يقول لي يومًا وبحضور الجميع... لا تتوقف يا أحمد عن الكتابة لأنك تعرف ما تكتب عنه. هذه صعوبة القلم والكلمة والحرف، أنك تعرف ما تكتب عنه ولهذا تعاني، ولكن سموه له الرحمة لم يتركن يومًا أعاني فقد كنت أنسج مقالاتي من وحي ما أعرف وهذه مجازفة وجسارة.


أمام أربعين سنة، حروف وكلمات وخطوط حمراء وصفراء وخضراء، وذهن منهك وأفكار تحتشد وطريق طويل متشعب وبعد غياب من كان حافزًا للكتابة أجد نفسي بحاجة للتنفس لوقتٍ ولفترة أرى خلالها من زاوية مختلفة، لن أهجر الكتابة بالطبع فهي الأوكسجين بدونه تغادر الروح ولكن للتنفس أشكال مختلفة، فلتكن وقفة مؤقتة مع الذات والموضوع لأنني بلغت ناصية أسميها التفكر، ولأنني بمنطقة حساسة الوفاء فيها نادر.


تنويرة: تسقط الأوراق مؤقتًا وتبقى الأغصان أبدًا لتورق ثانية.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية