بحرنة الوظائف سياسة تنتهجها مملكة البحرين منذ عقود لأنها تؤمن بأن المواطن أساس التطوير ومحور التنمية، كما ورد في كل برامج عمل الحكومة على مدى سنوات، وكان ينبغي أن تظهر آثارها على سوق العمل بشكل واضح يشعر به كل أحد وليس الخبراء فقط. ومع ذلك فإن نظام فرض نسبة البحرنة لم ينجح، بل زاد معدل البطالة من 3.66 % (8 آلاف عاطل في 2018) إلى 6.33 % (17 ألف عاطل في 2023)، بزيادة 102 %، وذلك لأسباب كثيرة سأذكر منها ثمانية فقط في هذا المقال.
الخطأ الأول: عدم تطبيق النص الدستوري (ولا يولى الأجانب الوظائف العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون). “المادة 16 البند أ”، فنسبة البحرنة في الحكومة ينبغي أن تكون مئة بالمئة، وربما يُتسامح في 2 أو 3 % للوظائف التي لا يتوفر بحرينيّون مؤهلون لشغلها، وفي هذه الحالة يتحتم وضع خطة إحلال لكل وظيفة يشغلها أجنبي، ولا يجوز أن تطول مدة تشغيل الأجنبي عن المدة المطلوبة لتأهيل بحريني. أما وجود حوالي سبعة آلاف موظف أجنبي بالحكومة، يمثلون 16 % تقريبًا فهو رقم كبير، ويعد إخفاقًا في تطبيق النص الدستوري، خصوصًا في قطاع التربية والتعليم 57 % والقطاع الصحي 33 %.
الخطأ الثاني: الحد الأدنى الذي يبدأ معه تطبيق نظام نسبة البحرنة في القطاع الخاص مرتفع نسبيا، حيث يبدأ من 6 أو 10 عمال بحسب النشاط، ونتيجة ذلك لم يُطبق النظام على (84,582) مؤسسة.
بما يعادل 91 % من إجمالي مؤسسات القطاع الخاص، وربما تحاول أغلب المؤسسات ألا تتجاوز هذا العدد.
الخطأ الثالث: تدني نسبة البحرنة المفروضة على المؤسسات حيث تصل في كثير من النشاطات إلى 10 % فقط، ما يعني تشغيل بحريني واحد فقط من كل عشرة أجانب، وثبات النسبة بغض النظر عن حجم المؤسسة.
الخطأ الرابع: ارتباط نسبة البحرنة بالمؤسسة وليس بنوعية الوظيفة، فالمؤسسة العاملة في النشاط الصحي (مثلا) ليس مطلوبا منها أن توظف أطباء أو ممرضين أو فنيين بحرينيين؛ بل يسمح لها النظام بتوظيف عمال بحرينيين في وظائف متدنية في أسفل السلم الوظيفي، بدلا من توظيف المواطنين في نفس النشاط الذي تزاوله المؤسسة، والصحيح أن تحدد نسبة البحرنة لكل وظيفة على حدة بشكل يتناسب مع عدد المواطنين المؤهلين لها.
الخطأ الخامس: ثبات نسبة البحرنة في مختلف القطاعات وعدم ربطها بعدد العاطلين المؤهلين في هذا القطاع، وعدم تقنين إصدار تراخيص للأجانب في مهن أو حرف تتوفر لها عمالة وطنية مؤهلة، والصحيح أنه كلما زاد عدد المؤهلين المواطنين؛ ينبغي أن تُزاد النسبة المفروضة على هذا القطاع، حتى نصل إلى توطين المهن والحرف بشكل كامل إن لزم الأمر.
الخطأ السادس: عدم التزام المؤسسات بنسب البحرنة، حيث لم تلتزم (4,223) مؤسسة بالنسب المفروضة، بما يمثل (48 %) من مجموع المؤسسات، ما فوّت (25,243) فرصة عمل على المواطنين في 2023م وحدها.
الخطأ السابع: إفساح المجال للتهرب من نسب البحرنة عن طريق النظام الموازي للبحرنة ودفع (500 دينار) إضافية، ما خفض فاعلية نظام البحرنة. وقد فوّت هذا النظام على المواطنين (132,000) فرصة عمل في أربع سنوات، وسوف نفرد هذه الخطأ بمقال مستقل.
الخطأ الثامن: لجوء الكثير من المؤسسات - بل والجهات الحكومية أيضا - إلى التوظيف عن طريق شركات توريد الأيدي العاملة بعقود لا تحتسب في نسبة البحرنة، وهي البوابة الخلفية لعدم تطبيق نسبة البحرنة والتهرب منها، وربما أفردنا هذا أيضًا بمقال مستقل لأهميته.
هذه ثمان آفات تفت في عضد نظام بحرنة الوظائف وتحول دون تحقق أهدافه، وهناك أخطاء لم نذكرها، وبسبب ذلك يبقى عشرات الآلاف من أبناء البحرين محرومين من فرص التوظيف في آلاف المؤسسات التي تعمل في بلادهم وتجلب مئات الآلاف من الأجانب من أكثر من (160) دولة لأكثر من (3790) مسمى وظيفيا، علما بأن الكثير من هذه المؤسسات الأجنبية تستفيد من جميع المزايا التي توفرها مملكة البحرين بما فيها مختلف أنواع الدعومات.
نائب برلماني سابق