العدد 4404
الأربعاء 04 نوفمبر 2020
banner
ريشة في الهواء أحمد جمعة
أحمد جمعة
لغة الضاد تفتقد التفاهم مع الآخر!
الأربعاء 04 نوفمبر 2020

كلما علا صوتك... كلما فقدت احترامك، فعقول العالم المختلفة تدرك الحقيقة من دون صراخ أو ضوضاء، فهناك عقول تسير هذا العالم ورغم كل الفوضى التي تعم الأرض إلا أن ثمة من يفكر ويتأمل ويقرر أن يقف معك أو ضدك، وبغالب الأحيان وخلال التجارب والنتائج على مدى قرن من الزمن بالعصر الحديث ثبت أن الضجيج والصراخ والتهديد والمقاطعة لم تحقق أي انتصار بأي مجال أو قطاع أو كيان، فعلى صعيد القضية الفلسطينية خسرت القضية كل ما كانت تتمتع به من حيز ودعم وأرض واعتراف حتى كادت تفقد اسمها.

وعلى صعيد العلاقات مع الدول والشعوب، خسرنا تقريبًا كل قضايانا التي دافعنا عنها بصوتٍ عال ولم نكسب إلا بالعقل والحكمة والدبلوماسية الهادئة، وقد كان أول الكاسبين بهذا الطريق الرئيس الشجاع الراحل أنور السادات، فحين عاكسه بعض العرب مثل حافظ الأسد خسرت سوريا وجودها على الخريطة، وحين سار معه الأردن كسب أرضه واستقراره، وهكذا يبدو الصوت الطنان والرنان بلا عقل ولا فعل هو الذي أدى بنا في أماكن كثيرة إلى الهاوية، ومازالت هناك الملايين منا لا تملك غير هذا الصوت.

منذ الحرب العالمية الثانية تعلم العالم، وعلى مدى التاريخ المعاصر، أن السلام والتفاهم والعقل هو الذي يحقق الانتصارات والنجاحات، وعندما عاكست الولايات المتحدة هذا الدرس بحرب فيتنام خسرت ومن يومها تعلمت متى تتحكم بنفسها وأولت شؤونها للبناء والإنجاز، فخاضت المغامرات والمجازفات ولكن بصوت عاقل وليس بالضجيج والضوضاء، وكذلك الدول التي خاضت الحروب واكتوت بها وعانت مرارة وتداعيات الحرب، أدركت أن عليها إذا أرادت الاندماج في العالم وتحقيق الرخاء والسلام لابد لها من عقلانية بالتعامل مع الشعوب والتغلب على العنصرية والتطرف والتشنج والصراخ والولوج إلى عالم يسوده التفاهم رغم ما فيه من فوضى، وهكذا تغلبت كثير من الشعوب على يأسها وحققت انتصاراتها بالعقلانية، وقد صعقتُ مؤخرًا وأنا أشاهد فلسطينيا يحرق سيارته احتجاجًا على الرسوم وآخر يصنع أحذية يكتب عليها اسمي ترامب وماكرون، وهناك آخرون يتفننون في التشنج ودفع الغرب إلى مزيد من التعنت والتشدد ونبذنا، كل هذا يدل على أننا مازلنا لم نفهم الآخر ولن نفهمه وسنخسر المزيد من قضايانا حتى لو كان الحق معنا لأننا لا نملك العقلانية والموضوعية ولغة التفاهم مع الآخر دون تشنج، فنحن أسرى سياسة القطيع وهذه هي المشكلة الأزلية معنا.

 

تنويرة:

لا تسرع وقت البطء ولا تبطئ وقت السرعة.

صحيفة البلاد

2024 © جميع الحقوق محفوظة, صحيفة البلاد الإلكترونية