سلام يا ابن “آمنة” الطهر (ص)

| د. جاسم المحاري

الرقي‭ ‬الروحي‭ ‬والتكامل‭ ‬المعنوي‭ ‬الذي‭ ‬تتوق‭ ‬له‭ ‬أمم‭ ‬العالم‭ ‬وحاجتها‭ ‬إلى‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬حياة‭ ‬العباد‭ ‬وترشدهم‭ ‬إلى‭ ‬السعادة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والكمال‭ ‬الإنساني؛‭ ‬يعوزها‭ ‬الدور‭ ‬الأكيد‭ ‬للأنبياء‭ ‬والرسل‭ ‬في‭ ‬الإخبار‭ ‬عن‭ ‬الجبار‭ ‬المتعال‭ ‬بتعاظم‭ ‬أهميتها‭ ‬التي‭ ‬تقوي‭ ‬الارتباط‭ ‬به‭ ‬وتوطد‭ ‬بيان‭ ‬المعارف‭ ‬الإلهية‭ ‬للناس‭ ‬على‭ ‬هدى‭ ‬تزكيتهم‭ ‬وتعليمهم،‭ ‬وإقامة‭ ‬العدل‭ ‬بينهم،‭ ‬والفصل‭ ‬في‭ ‬خصوماتهم‭ ‬وحل‭ ‬خلافاتهم‭ ‬وإتمام‭ ‬الحجة‭ ‬والبيان‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬معرفة‭ ‬رافع‭ ‬السماوات‭ ‬وباسط‭ ‬الأرضين‭ ‬وطاعته‭ ‬واتباع‭ ‬أوامره‭ ‬واجتناب‭ ‬نواهيه،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬احتباس‭ ‬الصبر‭ ‬ورباطة‭ ‬الجأش‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المشقة‭ ‬والأذى‭. ‬تمثلت‭ ‬“نفايات”‭ ‬الأخلاق‭ ‬البشرية‭ ‬بأفكارها‭ ‬المسمومة‭ ‬نظِير‭ ‬شموخ‭ ‬الاستقامة‭ ‬بسمو‭ ‬تراحمها‭ ‬في‭ ‬واقعة‭ ‬“المرأة‭ ‬المسنة”‭ ‬قِبال‭ ‬أفضل‭ ‬خلائق‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ (‬ص‭) ‬حين‭ ‬اعتادت‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬أنْ‭ ‬تلقي‭ ‬القمامة‭ ‬أمام‭ ‬منزله‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬بغية‭ ‬مضايقته،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الغريب‭ ‬إصراره‭ ‬على‭ ‬المرور‭ ‬بنفس‭ ‬الطريق‭ ‬متجاهلاً‭ ‬تعرضها‭ ‬له‭ ‬بالضرر‭. ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬تفاجأ‭ (‬ص‭) ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬أثرٍ‭ ‬للقمامة‭ ‬المعتادة‭! ‬وعلم‭ ‬بعدها‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬طريحة‭ ‬الفراش‭ ‬إِثر‭ ‬مرض‭ ‬أنهكها‭ ‬القيام،‭ ‬فقرر‭ ‬معاودتها‭ ‬عناية‭ ‬واهتماماً‭ ‬بها،‭ ‬ما‭ ‬أشعرها‭ ‬بالندم‭ ‬العميق‭ ‬حتى‭ ‬اعتنقت‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬حينها‭.‬

نافلة‭:‬

تشير‭ ‬مراسيم‭ ‬المولد‭ ‬الذي‭ ‬شع‭ ‬بنوره‭ ‬المبارك‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬بدأوا‭ ‬يحتفلون‭ ‬به‭ ‬منذ‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬والخامس‭ ‬الهجريين‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬مهيبة‭ ‬كان‭ ‬يتقاطر‭ ‬إليها‭ ‬أهل‭ ‬مكة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ولادته‭ ‬الميمون‭ ‬الذي‭ ‬يقع‭ ‬بين‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬والسابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ربيع‭ ‬الأول،‭ ‬وفي‭ ‬مكان‭ ‬ولادته‭ ‬الشريف‭ ‬في‭ ‬شعب‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬بين‭ ‬جبل‭ ‬أبوقبيس‭ ‬وجبل‭ ‬الخندمة‭ ‬في‭ ‬مكة،‭ ‬حيث‭ ‬يباركون‭ ‬لبعضهم‭ ‬ويدعون‭ ‬ويصلون‭ ‬ويتصدقون‭ ‬ويتهادون‭ ‬ويتراحمون‭ ‬في‭ ‬إطعام‭ ‬الفقراء‭ ‬وإسعاد‭ ‬المؤمنين‭ ‬تكريماً‭ ‬لنبي‭ ‬الإسلام‭ (‬ص‭) ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتشر‭ ‬إبان‭ ‬السيطرة‭ ‬الفاطمية‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬آنذاك‭ ‬في‭ ‬تعابير‭ ‬محبتهم‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬ووقائع‭ ‬وصور‭ ‬يسودها‭ ‬مقام‭ ‬التذكير‭ ‬بالنِعم‭ ‬الإلهية‭ ‬وإظهار‭ ‬السرور‭ ‬بمولده‭ ‬الطاهر‭. ‬‬

ومنها‭ ‬ما‭ ‬تغنى‭ ‬بها‭ ‬الأديب‭ ‬الأفغاني‭ ‬جلال‭ ‬الدين‭ ‬الرومي‭ ‬بقوله‭:‬

وكل‭ ‬الناسِ‭ ‬تولد‭ ‬ثم‭ ‬تفنــــــى‭.. ‬ووحدك‭ ‬أنت‭ ‬ميــــلاد‭ ‬الحياةِ‭.‬

وكل‭ ‬الناسِ‭ ‬تذكر‭ ‬ثم‭ ‬تنســــى‭.. ‬وذكرك‭ ‬أنت‭ ‬باقٍ‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭.‬

تردده‭ ‬المـــــآذن‭ ‬كل‭ ‬وقــــتٍ‭.. ‬وينبض‭ ‬بالقلوب‭ ‬إلى‭ ‬الممات‭.‬

صل‭ ‬يا‭ ‬رب‭ ‬على‭ ‬صاحب‭ ‬الحضرة‭ ‬النبوية‭ ‬والرسالة‭ ‬الإلهية‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬الغر‭ ‬الميامين‭ ‬وعلى‭ ‬أصحابه‭ ‬المهديين‭ ‬وعلى‭ ‬تابِعيه‭ ‬الخيرين‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬يوم‭ ‬الدين،‭ ‬صلاةً‭ ‬يصعد‭ ‬أولها‭ ‬ولا‭ ‬ينفذ‭ ‬آخرها‭. ‬وكل‭ ‬عامٍ‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم‭ ‬قاطبة‭ ‬في‭ ‬وداد‭ ‬ووئام‭.‬

 

‭* ‬كاتب‭ ‬وأكاديمي‭ ‬بحريني