خارج الحداثة وعلى هامش التاريخ!

| كمال الذيب

إذا كانت الشعوب تعيش على وقع الأفكار الجديدة في الغرب منذ أواخر القرن الخامس عشر، أو بداية القرن السادس عشر، وإذا كانت هذه الشعوب قد حققت فتوحات ضخمة في التاريخ الإنساني، على الأصعدة الفكرية والعملية والمنهجية والتقنية، فإن ذلك يرجع إلى انقراض كل فم مكمم، عندهم، واعتماد العقلانية في القول والفعل. محاكم التفتيش عندهم انتهت وأصبحت جزءاً من تاريخ الانحطاط المظلم الباعث على الاشمئزاز. أما في معظم بلادنا العربية، فمازال حرق الكتب طقساً من الطقوس المفضلة، ومازالت أصوات قادمة من عصور الانحطاط يعلوها الغبار تحذر من التقدم والحداثة وتلعن العقل والتقنية. لذلك لا غرابة أن تزدهر عندنا الخرافة والتهريج والنسخ والتقليد، وأن يصبح حجم الإبداع يقاس بالسنتيمتر. الأدب المتملق المتسلق الذي كان تهريجا لا نهتم به ولا يهتم بنا، لا يزال مزدهرا، نفس الأدعياء لا يزالون يطلقون نفس النعوت الركيكة وتعابير التسول والتقديس التي كانت رائجة في العصور الوسطى.. قائمة الممنوعات عندنا تتسع كل يوم، وقائمة المسموح به تضيق، والمسموح به اليوم قد يصبح في غدِ خط نار. يمكنك أن تذهب حيثما تشاء في أرجاء عالمنا المترامي الأطراف، فإنك واجد الأمس توأم اليوم (وربما أسوأ).. ولن تحتاج إلى كتابة التاريخ على السبورة، أو تعديله على الساعة، لأن دوران الأرض حول الشمس وحول نفسها وحده هو الذي ينقل الناس من الليل إلى النهار، ومن فصل إلى آخر بل ومن عام إلى عام. عندما بدأنا (نفك) الخط في المدارس كنا نقرأ في بعض الدروس أننا ننتمي إلى عالم سائر في طريق النمو، وأن الوطن العربي من البلدان النامية، وكبرنا، فإذا بنا مازلنا نطالع بأننا سائرون في طريق النمو، مع أن أغلب دول هذا العالم مأزومة، تسير عكس الاتجاه. عندما كنا أطفالا وجدنا عالمنا مستديناً وكبرنا ومازال كذلك. ولم تنفع ديون الأمس في حل مشكلاتنا الأمس واليوم. الزراعة عندنا لا تزال مواطنها نفسها منذ عهد الآشوريين والرومان والفينيقيين إن لم تكن تقلصت، ولا تزال حياتنا وغذاؤنا رهنا بنشرة الأحوال الجوية. *كاتب وإعلامي بحريني