خطيئة جعل العلم مشاعا بين الجميع

| أسامة الماجد

كثيرون هم العلماء والأدباء والفلاسفة الذين دخلوا في مصادمات مع المجتمعات ورجال الدين بسبب اللغة المستعملة وإغراء استعمال العبارات العامية، وأحد أهم هؤلاء العالم الفلكي الإيطالي غاليليو غاليلي الذي شاهدت عنه قبل أيام فيلما وثائقيا في غاية الجمال، فهذا العالم فيه سذاجة وبساطة دفعت به إلى أن يسجل بعض مكتشفاته العلمية باللغة الإيطالية الدارجة حتى يصبح العلم متاحا لكل الناس، والمأثور عن رجال العلم في أوروبا حتى القرن التاسع عشر أنهم كانوا يدونون كتاباتهم باللغة اللاتينية، فهي لغة الكنيسة وتستمد قدسيتها من قدسية الكنيسة، ثم إن اللغة اللاتينية كانت تيسر الاتصال بين رجال العلم في أوروبا على اختلاف مللهم وأجناسهم. ومن ثم فإن جاليليو أحدث انقلابا ضخما في العرف الشائع حين ساوى بين اللغة اللاتينية واللغة الإيطالية الدارجة، فهو على وجه، رفع اللغة الدارجة إلى مستوى اللغة اللاتينية، لغة الكنيسة، وعلى وجه آخر هوى باللغة اللاتينية إلى مستوى اللغة الإيطالية الدارجة، أي مستوى العامة. وهذه جرأة في عصره لا يقوم بها إلا إنسان غر لا يعرف أن ثمة أمورا تباح وأخرى لا تباح حتى ولو لم يكن فيها ما يتعارض مع نص القانون المكتوب.  ولعل ما هو أخطر من هذا الخروج على العرف السائد محاولته جعل العلم مشاعا بين الجميع، فالعلم يقوم أساسا على الشك، ولا شك يمكن أن ينتهى إلى حد الشك إذ إنه سيمتد طولا وعرضا وعمقا حتى يبلغ المقدسات وينتهي الأمر بأن يشكك الناس في حقيقتها. إن اللغة اللاتينية كانت مثل الكورس التي يجب أن يردد جملا خاصة به، وأنغاما تناسب أصوات المجاميع – أي المجتمع – ومن يخرج عن الكورس تخرج له العصاة. * كاتب بحريني