كثرة الأعذار والاعتذار

| ندى نسيم

تتنوع‭ ‬الفنون‭ ‬وتختلف،‭ ‬ولعل‭ ‬أكثرها‭ ‬رقياً‭ ‬فن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الآخرين،‭ ‬ويعد‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬سيد‭ ‬العلاقات‭ ‬الناجحة،‭ ‬فالتواصل‭ ‬الحقيقي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬والاحترام‭ ‬والتقدير‭ ‬وحسن‭ ‬التعامل‭ ‬والتماس‭ ‬العذر‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬حس‭ ‬إنساني‭ ‬حميم‭ ‬يليق‭ ‬ببوصلة‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬بشتى‭ ‬أنواعها،‭ ‬وتعد‭ ‬ثقافة‭ ‬الاعتذار‭ ‬من‭ ‬ملطفات‭ ‬العلاقات‭ ‬السوية،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬شعر‭ ‬الطرف‭ ‬المعتذر‭ ‬بخطأ‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬وبادر‭ ‬بتقدير‭ ‬الاعتذار‭ ‬تعبيرا‭ ‬عن‭ ‬الندم‭ ‬ورغبة‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬خسران‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬وتعزيز‭ ‬التسامح،‭ ‬وعن‭ ‬ثقافة‭ ‬الاعتذار‭ ‬وصفت‭ ‬“جمعية‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬البريطانية”‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يعتذرون‭ ‬كثيرا‭ ‬بأنهم‭ ‬الأكثر‭ ‬دفئا‭ ‬وإخلاصاً،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬قد‭ ‬يصف‭ ‬البعض‭ ‬الاعتذار‭ ‬بأنه‭ ‬مهمة‭ ‬شاقة‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬وذلك‭ ‬لعدم‭ ‬مقدرة‭ ‬بعض‭ ‬الأشخاص‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الاعتذار‭ ‬رغم‭ ‬ارتكابهم‭ ‬الأخطاء‭ ‬بحق‭ ‬غيرهم‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاعتذار‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬مخيلة‭ ‬المعتذر‭ ‬وكأنه‭ ‬فعل‭ ‬قد‭ ‬ينقص‭ ‬من‭ ‬كرامته‭ ‬ويعري‭ ‬ذاته‭ ‬ويظهرها‭ ‬بصورة‭ ‬ضعيفة‭ ‬أمام‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬الموازنة‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يقتضيه‭ ‬الخطأ‭ ‬من‭ ‬اعتذار‭ ‬وما‭ ‬يجول‭ ‬في‭ ‬خاطره‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬الكبرياء‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالذنب،‭ ‬وهنا‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬كثرة‭ ‬إيجاد‭ ‬الأعذار‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تصدر‭ ‬من‭ ‬الشخص‭ ‬المعتذر‭ ‬وكثرة‭ ‬التبريرات‭ ‬للسلوكيات‭ ‬الخاطئة‭ ‬مشكلة،‭ ‬فمن‭ ‬يجد‭ ‬أعذارا‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬ويعتذر‭ ‬بصورة‭ ‬مستمرة‭ ‬يترك‭ ‬انطباعاً‭ ‬عن‭ ‬شخصيته‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتسم‭ ‬بالنضوج،‭ ‬ويتضح‭ ‬عدم‭ ‬إدراكه‭ ‬عواقب‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬ويغيب‭ ‬عنه‭ ‬مدى‭ ‬الألم‭ ‬الذي‭ ‬يسببه‭ ‬للطرف‭ ‬الآخر،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬كثرة‭ ‬تقديمه‭ ‬الأعذار‭ ‬وكثرة‭ ‬الاعتذار‭ ‬كأنه‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬تكرار‭ ‬الأخطاء‭ ‬ويجد‭ ‬في‭ ‬الاعتذار‭ ‬وسيلة‭ ‬سهلة‭ ‬جدا‭ ‬لمقاومة‭ ‬ضعفه‭ ‬في‭ ‬الداخل‭. ‬

الاعتذار‭ ‬كثيراً‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬يعني‭ ‬ذوقا‭ ‬ورقيا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ضعف‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الكبيرة‭.‬