جسر الخير

| د. عبدالله الحواج

كانت‭ ‬صدفة،‭ ‬وكانت‭ ‬خيرًا‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬ميعاد‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬جمعتني‭ ‬بالنخب‭ ‬والوجهاء‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭ ‬نظمها‭ ‬الصحافي‭ ‬السعودي‭ ‬الصديق‭ ‬جمال‭ ‬الياقوت‭ ‬إلى‭ ‬الشقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬السبت‭ ‬قبل‭ ‬الماضي‭.‬

أما‭ ‬السبب،‭ ‬فلا‭ ‬مناسبة‭ ‬أكثر‭ ‬قداسة‭ ‬من‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬على‭ ‬المحبة،‭ ‬على‭ ‬الخير‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وعلى‭ ‬الرحلة‭ ‬الخلابة‭ ‬بين‭ ‬مملكتين‭ ‬وعبر‭ ‬جسر‭ ‬المحبة‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬بحريننا‭ ‬الغالية‭ ‬بالأشقاء‭ ‬والأصدقاء‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

هي‭ ‬صدفة‭ ‬وهي‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬ميعاد؛‭ ‬لأنها‭ ‬أخذتنا‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرة‭ ‬نحو‭ ‬مدن‭ ‬الأحلام‭ ‬في‭ ‬الأحساء‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الشرقية‭ ‬السعودية،‭ ‬كان‭ ‬الباص‭ ‬الذي‭ ‬يجمعنا‭ ‬وعلى‭ ‬غير‭ ‬العادة‭ ‬يمشي‭ ‬“الهوينا”؛‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬نستمتع‭ ‬بالخلاب‭ ‬من‭ ‬المناظر،‭ ‬بالبحر‭ ‬عندما‭ ‬يلتقي‭ ‬مع‭ ‬اليابسة،‭ ‬وبالوطن‭ ‬عندما‭ ‬يعانق‭ ‬الوطن‭ ‬الشقيق،‭ ‬بالتلامس‭ ‬الحميمي‭ ‬بين‭ ‬دولتين‭ ‬تربطهما‭ ‬من‭ ‬الوشائج‭ ‬والصلات‭ ‬والتراحم‭ ‬والقربى‭ ‬ما‭ ‬يفوق‭ ‬البروتوكلات‭ ‬وما‭ ‬يتخطى‭ ‬حواجز‭ ‬“الإتيكيت”‭ ‬المصطنعة‭.‬

ذهبنا‭ ‬إلى‭ ‬الشقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬ونحن‭ ‬نشعر‭ ‬بأننا‭ ‬عدنا‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬تجمعنا‭ ‬الصحبة‭ ‬الحلوة،‭ ‬لتعيد‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬“أيامنا‭ ‬الحلوة”،‭ ‬وتغلب‭ ‬علينا‭ ‬روح‭ ‬الفكاهة‭ ‬والتجلي،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يجمعنا‭ ‬سوى‭ ‬الود‭ ‬والصدق‭ ‬والمحبة‭ ‬المنزهة‭.‬

كان‭ ‬يوما‭ ‬من‭ ‬عمري،‭ ‬قضيته‭ ‬بكل‭ ‬الفرح‭ ‬والسعادة‭ ‬والأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نراه،‭ ‬بل‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬عشنا‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬مهرجان‭ ‬عالمي‭ ‬للتمور‭ ‬في‭ ‬الأحساء،‭ ‬ومن‭ ‬مناطق‭ ‬خلابة‭ ‬كجبل‭ ‬القارَة‭ ‬وغيره‭ ‬الكثير،‭ ‬مما‭ ‬أعاد‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬تلك‭ ‬الخصال‭ ‬العربية‭ ‬الأصيلة‭ ‬التي‭ ‬تحتفي‭ ‬بالتمور‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬مهرجان،‭ ‬وبصناعاتها‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬معرض‭ ‬كبير،‭ ‬وبالزوار‭ ‬وكأنهم‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬استثنائية‭ ‬لا‭ ‬تتكرر‭ ‬كثيرًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭.‬

أثناء‭ ‬الرحلة،‭ ‬وأنا‭ ‬أتجول‭ ‬وسط‭ ‬كرنفال‭ ‬التمور‭ ‬البهيج،‭ ‬تذكرت‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬ليست‭ ‬بالبعيدة‭ ‬بوطن‭ ‬المليون‭ ‬نخلة،‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬ذهني‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتكرر‭ ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الشقيقة‭ ‬الكبرى،‭ ‬فجسر‭ ‬الخير‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬وهناك‭ ‬وبدلًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العبور‭ ‬لمهرجان‭ ‬التمور‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬السعودية‭ ‬فقط،‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬العبور‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بمهرجان‭ ‬البحرين‭ - ‬الحلم‭ ‬للتمور‭ ‬لو‭ ‬انتبهنا‭ ‬لثروتنا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنضب‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬الحرث‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬والتوغل‭ ‬في‭ ‬اللامعقول‭ ‬باحثين‭ ‬عن‭ ‬ثروات‭ ‬ليست‭ ‬لدينا‭ ‬معها‭ ‬حيلة،‭ ‬ولا‭ ‬سيطرة‭ ‬عليها،‭ ‬ولا‭ ‬طائل‭ ‬مؤكد‭ ‬منها‭.‬

وعندما‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬كانت‭ ‬سعادتي‭ ‬بالغة‭ ‬حين‭ ‬دارت‭ ‬في‭ ‬مخيلتي‭ ‬تلك‭ ‬الإجراءات‭ ‬السلسة‭ ‬على‭ ‬الجسر‭ ‬من‭ ‬الجانبين،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬موظفي‭ ‬الجوازات‭ ‬يدركون‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المرور‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬سهلًا‭ ‬وبسيطًا‭ ‬وفي‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن،‭ ‬شعرت‭ ‬بأن‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬أصبح‭ ‬بحجم‭ ‬المسؤولية،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يدرك‭ ‬تمام‭ ‬الإدراك‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بيننا‭ ‬مكان‭ ‬لمن‭ ‬يعطل‭ ‬مسيرتنا،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يغرد‭ ‬خارج‭ ‬السرب،‭ ‬ولكل‭ ‬من‭ ‬يسعى‭ ‬لوقف‭ ‬انسيابية‭ ‬الحركة‭ ‬بين‭ ‬وطن‭ ‬واحد‭ ‬مقسوم‭ ‬على‭ ‬مملكتين‭.‬