ياسمينيات

ما بين حلو ومر

| ياسمين خلف

هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى،‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬المهنية‭ ‬التي‭ ‬أنقطع‭ ‬فيها‭ ‬فجأة‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬والتواصل‭ ‬مع‭ ‬قرائي،‭ ‬وأغيب‭ ‬عنهم‭ ‬نحو‭ ‬سبعة‭ ‬أشهر،‭ ‬فحتى‭ ‬إجازاتي‭ ‬السنوية‭ ‬كنت‭ ‬أحرص‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬أتوقف‭ ‬عن‭ ‬نشر‭ ‬المقالات،‭ ‬التي‭ ‬أعتبر‭ ‬استمراريتها‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬احترامي‭ ‬لقرائي‭ ‬الذين‭ ‬ينفقون‭ ‬وقتًا‭ ‬من‭ ‬أوقاتهم‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬ما‭ ‬أكتب‭. ‬نعم‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬علي‭ ‬سهلاً،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬الظرف‭ ‬الذي‭ ‬مررت‭ ‬فيه‭ ‬هينًا‭.‬

القدر‭ ‬ساقني‭ ‬خلال‭ ‬يوم‭ ‬وغده،‭ ‬بين‭ ‬حلو‭ ‬ومر‭... ‬ففي‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬يونيو‭ ‬الفائت‭ ‬نلت‭ ‬جائزة‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬للصحافة‭ ‬في‭ ‬فئة‭ ‬أفضل‭ ‬عمود‭ ‬صحافي‭ ‬لعام‭ ‬2022،‭ ‬لأطير‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬علاج‭ ‬مع‭ ‬شقيقي‭ ‬الذي‭ ‬اكتشفت‭ ‬إصابته‭ ‬بالسرطان‭ ‬فجأة،‭ ‬وتقرر‭ ‬سريعًا‭ ‬إجراء‭ ‬عملية‭ ‬عاجلة‭ ‬وخطيرة،‭ ‬ووضعت‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬إما‭ ‬العملية‭ ‬ونسبة‭ ‬نجاحها‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬15‭ %‬،‭ ‬أو‭ ‬الوفاة‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬وفجأة،‭ ‬حيث‭ ‬استقر‭ ‬الورم‭ ‬الخبيث‭ ‬في‭ ‬قلبه،‭ ‬وانتشر‭ ‬في‭ ‬كليته،‭ ‬فكان‭ ‬القرار،‭ ‬التشبث‭ ‬بالأمل‭ ‬بالله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬والأخذ‭ ‬بالأسباب‭ ‬وإجراء‭ ‬العملية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬حياة‭ ‬أخي‭ ‬الشاب‭ ‬“لؤي”‭.‬

المصاب‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬فيه‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شعور‭ ‬آخر‭. ‬رحلة‭ ‬علاج،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬أرجع‭ ‬بعدها‭ ‬ممسكة‭ ‬بيد‭ ‬شقيقي،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬الطائرة،‭ ‬ويرقد‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬نعشه‭ ‬مع‭ ‬الأمتعة‭! ‬فكان‭ ‬قضاء‭ ‬الله‭ ‬وقدره‭ ‬أن‭ ‬يختاره‭ ‬ويستلم‭ ‬أمانته،‭ ‬وأرجع‭ ‬للبيت‭ ‬من‭ ‬دونه،‭ ‬ليستقر‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬الأخير‭.‬

مقالي‭ ‬هذا‭ ‬خصصته،‭ ‬لأقول‭ ‬شكراً‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬حلو‭ ‬يوم‭ ‬فوزي،‭ ‬ومُر‭ ‬فقدان‭ ‬شقيقي،‭ ‬شكراً‭ ‬لكل‭ ‬كلمة‭ ‬مباركة‭ ‬أو‭ ‬معزية،‭ ‬شكراً‭ ‬لمن‭ ‬وقف‭ ‬معي‭ ‬في‭ ‬فرحتي‭ ‬وفي‭ ‬حزني،‭ ‬شكراً‭ ‬لمن‭ ‬صفق‭ ‬لي‭ ‬وأنا‭ ‬أستلم‭ ‬درع‭ ‬الجائزة‭ ‬وربت‭ ‬على‭ ‬كتفي‭ ‬وهو‭ ‬يعزيني‭ ‬في‭ ‬شقيقي‭. ‬وعذراً‭ ‬لمن‭ ‬حاول‭ ‬الاتصال‭ ‬أو‭ ‬التواصل‭ ‬ولم‭ ‬أتمكن‭ ‬من‭ ‬الرد،‭ ‬ليس‭ ‬تجاهلًا‭ ‬وإنما‭ ‬للظروف‭ ‬أحكام‭. ‬وها‭ ‬أنا‭ ‬اليوم‭ ‬أعود‭ ‬لكم‭ ‬مجدداً‭.‬

 

ياسمينة‭: ‬رحمك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬أخي‭ ‬“لؤي”‭ ‬وأسكنك‭ ‬فردوسه‭ ‬الأعلى‭.‬