إجازة رواية “أين الله”

| حسين الصباغ

من‭ ‬حكاياتي‭ ‬القديمة‭ ‬المحفورة‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1972‭ ‬كنت‭ ‬أعمل‭ ‬مراقبًا‭ ‬للشئون‭ ‬الإعلامية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الاعلام‭. ‬وکان‭ ‬مقر‭ ‬الوزارة‭ ‬مع‭ ‬وزارات‭ ‬عدة‭ ‬مثل‭ ‬المالية‭ ‬والتنمية‭ ‬وطبعًا‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬الحكومة‭ ‬الحديث‭ ‬آنذاك‭.‬

‭ ‬تلقيت‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأيام‭ ‬اتصالاً‭ ‬من‭ ‬المسؤول‭ ‬الحكومي‭ ‬المعروف‭ ‬سعيد‭ ‬الزيرة،‭ ‬واستفسر‭ ‬مني‭: ‬كيف‭ ‬سمحت‭ ‬بتداول‭ ‬كتاب‭ ‬للروائي‭ ‬الروسي‭ ‬مكسيم‭ ‬غوركي‭ ‬“أين‭ ‬الله؟‭.. ‬اعتراف‭ ‬ابن‭ ‬الشعب”؟‭. ‬

‭ ‬والحكاية‭ ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬الصديق‭ ‬الكريم‭ ‬عبدالكريم‭ ‬العليوات‭ (‬عضو‭ ‬سابق‭ ‬بالمجلس‭ ‬التأسيسي‭ ‬والابن‭ ‬البكر‭ ‬لعبدعلي‭ ‬العليوات‭ ‬أحد‭ ‬قادة‭ ‬هيئة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭) ‬قد‭ ‬أحضر‭ ‬لي‭ ‬نسخته‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬مكسيم‭ ‬غوركي‭ ‬لكي‭ ‬أقرأها‭ ‬جيدًا‭ ‬وأوصي‭ ‬بالسماح‭ ‬ببيعها‭ ‬وتداولها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

انكببت‭ ‬ليلتين‭ ‬ساهرًا‭ ‬لقراءة‭ ‬الكتاب‭ ‬ثم‭ ‬أوصيت‭ ‬بالموافقة‭ ‬على‭ ‬بيعه‭ ‬وتداوله،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬أنظمة‭ ‬الوزارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬باستثناء‭ ‬عنوانه‭ ‬المثير‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬اللوم‭ ‬لرجال‭ ‬الدين‭ ‬وسلوكهم‭.‬

وتتلخص‭ ‬قصة‭ ‬الرواية‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬غير‭ ‬شرعي‭ ‬تولى‭ ‬رعايته‭ ‬مسؤول‭ ‬بالكنيسة،‭ ‬وشعر‭ ‬الابن‭ ‬بالأمان‭ ‬من‭ ‬الرعاية‭ ‬الأبوية‭ ‬فزاد‭ ‬تعلقه‭ ‬بالكنيسة،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬توفى‭ ‬المسؤول‭ ‬الكنسي‭ ‬انتقلت‭ ‬إدارة‭ ‬مزرعة‭ ‬يديرها‭ ‬المسؤول‭ ‬الكنسي‭ ‬إلى‭ ‬الابن،‭ ‬والذي‭ ‬فتح‭ ‬سجلاتها،‭ ‬وتبيّن‭ ‬له‭ ‬حجم‭ ‬الاستغلال‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متورطًا‭ ‬به‭ ‬المسؤول‭ ‬الكنسي‭ ‬للمزارعين‭ ‬باسم‭ ‬الكنيسة‭. ‬وبعد‭ ‬صراعات‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬يبدأ‭ ‬رحلته‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الله‭.‬

أمضيت‭ ‬إجازة‭ ‬تداول‭ ‬الكتاب‭ ‬بعد‭ ‬موافقة‭ ‬مسؤولي‭ ‬في‭ ‬الوزارة‭. ‬ولكن‭ ‬إجازة‭ ‬الكتاب‭ ‬أغضبت‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬شكوى‭ ‬للوزارة‭ ‬وطلبوا‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الفاعل‭. ‬والتقيت‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين،‭ ‬وطلبت‭ ‬منهم‭ ‬قراءة‭ ‬محتوى‭ ‬الكتاب‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬بعنوانه‭.‬

‭* ‬كاتب‭ ‬بحريني‭ ‬ودبلوماسي‭ ‬سابق