المؤسسات الأهلية وشيخوخة العمل التطوعي

| بدر عيسى الحاج

من سمات المجتمعات المتحضرة في جميع الدول وجود مؤسسات اهلية (خيرية) هدفها تقديم خدمات انسانية (ان صح التعبير) لفئات محددة من الناس، هذه المؤسسات قد تكون محلية تدور في نطاق جغرافي معين وقد تتوسع دائرتها الى ابعد من ذلك، وربما تصل ما وراء الحدود ايضاً.

وحديثنا هنا عن المؤسسات الأهلية المحلية كالجمعيات ومن لف لفها كالأندية على سبيل المثال، هذه المؤسسات تتحصل على دعم مادي من قبل الحكومة على اختلاف الجهات الممولة وحجم التمويل، وبعض هذه المؤسسات له حق جمع الأموال للأغراض الخيرية وفق اشتراطات حددها القانون، ولا اتحدث عن سقف الموافقة وإنما عن الإطار العام للموضوع، فهناك ايجابيات وسلبيات عند كل طرف وفق منظوره .

وفي اليوم العالمي للتطوع نقول من باب التجربة أن الكثير من هذه المؤسسات تترنح أمام عزوف الناس وبالأخص فئة الشباب عن الإلتحاق بها والإنخراط في مدارها وخدمة المجتمع، وهناك عدة آراء حول هذه المسألة يمكن اجمالها في الآتي، من جهة يشتكي أفراد المجتمع أو فئة منهم من استئثار الكبار (سناً أو نفوذاً) بالمؤسسات واحتكارها وكأنها ملكاً شخصياً لهم، وتقول هذه الفئة أن الوجوه الإدارية تتكرر في كل دورة، وان هؤلاء اللاعبون الأساسيون في هذه المؤسسة أو تلك لايتيحون الفرصة للشباب للإنتساب والعمل، وإنهم إن اتاحوها قيدوهم بوجود صوري لا اكثر، والأهدى من ذلك - بحسب هذا الفريق – انهم غير متعاونين ويقطعون عنهم الإمدادات المعرفية حتى لا يتطوروا أو يكون لهم رأياً يؤهلهم للقيام بدور تنفيذي مستقبلا، وهذا من وجهة نظرهم سبب عزوف الشاب والقالب الهَرِم الذي نشاهده اليوم في بعض المؤسسات في جميع القرى إلا ما ندر . ومن جهة اخرى يرى الفريق الآخر (العامل) - المتهم بتشييخ المؤسسات - أن الشباب هم من يعزفون عن التقدم للعمل، مرة بحجة ضيق الوقت والإنشغال بين الأسرة والعمل، واخرى بحجة أن وتيرة الحياة تصاعدت فأصبحت المادة محور العمل وهو السبب الرئيس للعزوف، وإلا فإن المؤسسات تفتح ذراعيها لإحتضان جميع الأطياف .

وبين مضارب الفريقين ينكمش العمل التطوعي ويتراجع، لذلك اعتقد من المهم ان يفسح كبار العاملين المجال للطاقات الشابة، ولا اعني هنا الإنكفاء والإبتعاد المطلق وإنما تجديد الدماء واعادة تشكيل قوالب المؤسسات، والإشراف على فئة الشباب ودعمها وتمكينها للقيام بدور اكثر أهمية فالجاهل أو قليل الخبرة يُعلم حتى يُصبح يوماً ما مُعلم وإلا انقطعت حلقات السلسلة .

وفي ذات الوقت على الشباب استثمار طاقتهم في خدمة المجتمع لأن هذه الأعمال التطوعية وإن لم تكن ذات مردوداً مالياً إلا انها تعطي الفرد الشعور بالمسؤولية وتصقل شخصيته الإجتماعية وتقربه من الناس فيعرف آمالهم ويستشعر آلامهم ويعينهم بشكل أو بآخر، وفي هذا راحة نفسية وسعادة لايعرف طعمها إلا من تذوقها، وقال الله سبحانه وتعالى: (لْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فنحن أمام مرحلة مصيرية إما البقاء أو الفناء، وهذا رهن بفكر المؤسسات وأفراد المجتمع، وبالفعل هناك مجتمعات قطعت شوطاً في بناء واعداد شبابها، فاعطوهم الثقة وتموضعوا كفريق رديف يراقب ويدعم ويقدم النصح .

واختم بهذه الحكاية، قبل عامين هاتفني صديق وقال أن إدارة إحدى المؤسسات في قريته (بشارع البديع) ترغب في انجاز عمل فني وقد رشح اسمي لهم، واطلعوا على بعض اعمالي ... الى آخر القصة، المهم نسق بيننا موعداً فذهبت وفي ذهني صورة نمطية للإدارة، قلت في نفسي أنني سوف التقي مجموعة من الرجال كبار السن، لكن المفاجئة عندما استقبلوني عند باب المؤسسة كانوا شباباً اكبرهم لا يتجاوز الحادية والثلاثين من عمره، مجموعة كانت منسجة وانجزت خلال موسمها الإداري ما قد يعجز الكبار عنه، لذلك انصح الشباب في يوم العمل التطوعي للمبادرة بخدمة مجتمعاتهم، فالعمل التطوعي يحتاج لهم وهم الوقود الذي يحرك عجلته، كما على كبار الإداريين اخذ موقع المستشار، وهكذا يمكن بناء المجتمع وارتقاء مؤسساته وإلا فإن الشيخوخة ستفتك بها .