التسامح والمجتمع الراشد

| عبدعلي الغسرة

التسامح بين البشر والأديان هو “اتخاذ موقف إيجابي تجاه الآخر المختلف دينيًا وعِرقيًا”، ويُمثل إقرارا بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فالتسامح بين البشر هو الطريق الأمثل للتعايش المجتمعي والديني مع الحفاظ على ثوابت المجتمع ودينه وأفراده. ولهذه العلاقة “التعايش بين الأديان والتسامح الديني” فوائد وأهمية، فقد أرسل الله “عز وجل” هذه الأديان لتكون هداية للبشر وعلى مراحل مختلفة، وهي غير مختلفة في الأهداف والقِيم، بل متفقة على إرشاد البشر لخير الأعمال وصالحها، والتسامح بين البشر من الفضائل الإنسانية والرحمة التي يجب أن يلتزم بها الإنسان في جميع المجتمعات، ومن مميزاتها الاعتراف بالآخر والتعايش معه ونبذ التعصب الديني ورفض الكراهية، والدعوة إلى التكافل بينهم مع عدم المساس بالمعتقدات الدينية لكل فرد ومجتمع. ومثلما للأديان ضوابط ومبادئ كذلك فلعلاقة الناس مع بعضهم ضوابط ومبادئ تحكمها مثل “احترام الإنسان الآخر، احترام الأديان الأخرى المنزلة من السماء ومبادئها، دور العبادة، وعدم الإساءة لأي دين وكتبه ومعتقداته”، فالتعامل الإنساني والديني بين البشر قائم على البِر والتقوى والأخلاق الطيبة، وعدم رد الإساءة سواء بالقول أو الفعل بمثلها بل بالقول الحسن والفعل الأفضل. إن التعددية الدينية هي سنة كونية وإرادة ربانية، وأساس التعايش بينها هو التسامح بين أفرادها، وأن تمارس معتقداتها دون التعدي على حقوق غيرها، فقد أمرَ الله بالإيمان بجميع الأديان والأنبياء الذين لا تفاضل بينهم من حيث الرسائل السماوية والدعوة إلى عبادة الله، وذلك في قوله تعالى “فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ” (النساء، 171). فالتسامح بين الأديان يؤلف بين القلوب ويُوطد العلاقات ويسمو بها، ويَغرس دعائم المجتمع السليم القائم على المودة والاحترام، ويُطهر القلب من الحقد والغِل، ويٌقوي العلاقات بين أفراد المجتمع ويُحافظ عليها، ويتم من خلالها تبادل المعارف والعلوم والثقافات بين أتباعها. لقد أمرت جميع الديانات بالتسامح، ذلك التسامح الذي يَبني ويؤسس المجتمع الراشد القوي المتين.