“إنفستكورب” وحلم رجل المليار دولار
| محمد الجيوسي
من مجرّد أربع غرف مستأجرة في فندق (هوليداي إن) يشغلها 4 أشخاص فقط في عام 1982، إلى 13 مكتبا منتشرا في 3 قارات حول العالم تضم 480 موظفا من 50 جنسية في عام 2022، ثمّة قصة مبهرة تحكيها “إنفستكورب” على مدى أكثر من 40 عاماً.. مؤسسة سبقت عصرها في ريادة الاستثمار الخاص في منطقة الخليج العربي لتتحول خلال 4 عقود إلى شركة عالمية رائدة في إدارة الاستثمارات البديلة في الشركات الخاصة والعقارات وإدارة الدين واستراتيجيات العوائد المطلقة والحصص في الشراكات العامة.
إدارة إجمالي أصول بحجم 42.7 مليار دولار أمريكي يجعلها الآن ثاني أكبر مؤسسة مالية تدير أصولاً متنوعة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، أي أكثر من ضعف ما تديره شركة ممتلكات البحرين القابضة (الصندوق السيادي لمملكة البحرين) من أصول إجماليها 18.3 مليار دولار أمريكي.
لا يمرّ يوم في عالم الإعلام الاقتصادي إلا ونرى نشرة صحفية لإنفستكورب عن استحواذ في أمريكا الشمالية، وآخر في أوروبا، وتخارج في آسيا، وإنشاء محفظة في الشرق الأوسط. أمر يعكس مدى زخم نشاط رائدة الاستثمارات البديلة التي اتخذ عرّابها الراحل نمير قيردار مملكة البحرين مقرا رئيسا للانطلاق نحو العالمية لتكون بمثابة وسيط بين تدفقات رؤوس أموال الشرق والغرب، وجسرا بحريني يربط مستثمري الخليج العربي والشرق الأوسط بالأصول الدولية الجذابة.
عشرات الماركات العالمية أضحت تحت مظلة إنفستكورب وبات البحرينيون يتغنون بها لفترة طويلة على غرار الصفقة الأشهر على الإطلاق “غوتشي” في أوائل تسعينات القرن الماضي والتي نجحت “انفستكورب” من تحقيق مليار دولار أرباحا من تطويرها بفضل انتزاع قيردار لحصص مالكها موريزيو غوتشي. إضافة إلى مجوهرات “Tiffany & Co” وساعات “Ebel” السويسرية ودار الأزياء الإيطالية “كورنيلياني” وDainese و”كارفل آيس كريم” ومتاجر “بيبلز” ومتاجر “سيركل كي” و”ساكس فيفث افنيو” وغيرها الكثير.
بفضل الاستمرار في التنوع الحصيف بالاستثمارات لتقديم مجموعة أكبر من الخيارات الاستثمارية أكثر من اي وقت مضى، تمكنت إنفستكورب من تسجيل عام قوي آخر من النمو وذلك رغم الارتفاع المطرد لمعدلات التضخم والرياح المعاكسة للظروف الاقتصادية العالمية، مع نمو أصولها المدارة بنسبة 14 % لتصل إلى رقم قياسي هذه السنة، مدعومة بمستويات عالية من النشاط في أعمالها الرئيسية في الأسهم الخاصة والعقار وإدارة الائتمان والاستثمارات ذات العوائد المطلقة؛ مما ساهم في تسجيل صافي أرباح 135 مليون دولار مقابل 124 مليون دولار في عام 2021.
وضعت إنفستكورب ثقلها الاستثماري في العقار إيمانا منها بأنه قطاع يمرض ولا يموت مهما تعقدت الأزمات الاقتصادية وطال رحالها، وآتت هذه الاستراتيجية أكلها في المجالين السكني والصناعي، فمنذ العام 1996، استحوذت إنفستكورب على أكثر من 1100 عقار بقيمة إجمالية تقارب 23 مليار دولار. وتعتبر إنفستكورب بحسب “ريل كابيتال أناليتيكس” من بين أكبر 10 مشترين وبائعين غير أميركيين للعقارات الأميركية على مدار الأعوام 2019 و2020 و2021. كما استثمرت في 12 محفظة عقارية جديدة بإجمالي 1.2 مليار دولار خلال سنتها المالية المنتهية في يونيو 2022.
محافظ استثمار إنفستكورب تنوعت مؤخرا لتشمل 22 شركة في آسيا تغطي كل من الهند والصين وسنغافورة وهونغ كونغ، وتشمل قطاعات الرعاية الصحية والأغذية والزراعة والسلع الاستهلاكية والتكنولوجيا والتجارة الإلكترونية وتجارة التجزئة وخدمات المستهلكين والخدمات المالية. وكذلك الحال بالنسبة للقارة العجوز أوروبا لتغطي المملكة المتحدة وإيطاليا والنرويج وغيرها. إضافة إلى السوق الأمريكية المتخمة بالفرص الاستثمارية في الأسهم الخاصة وإدارة الدين والعوائد المطلقة.
قبل أكثر من عشر سنوات، كان لي شرف لقاء “رجل المليار دولار” نمير قيردار في مكتبه بالمنطقة الدبلوماسية، حوار لم يخل من حرص الراحل على تأكيده أهمية تنويع محافظ الاستثمار والتفكير خارج الصندوق؛ حتى تبقى إنفستكورب محافظة على ريادتها في الاستثمارات البديلة واقتناص أبرز الشركات الخاصة الواعدة على مستوى العالم وتحويلها إلى عوائد مجزية للمساهمين والمستثمرين.
خلال سرده قصة كفاحه الاستثماري وصولاته وجولاته طوال عقود مضت مرورا بأزمة المناخ في الكويت وحربي الخليج الأولى والثانية وانتهاءً بفقاعة “ليمان برذرز”، طرحت عليه سؤالاً حول ماهية محل إعراب الشباب البحريني من قصة نجاح إنفستكورب وديمومة نموذج عملها الريادي، أجاب عن السؤال باستدعاء “كفاءة بحرينية صاعدة لها مستقبل” على حد تعبيره هو خالد الرميحي، الرئيس التنفيذي الحالي لصندوق البحرين السيادي “ممتلكات” والمدير التنفيذي للاستثمار المؤسساتي في ذلك الوقت، الذي عرفني عليه كإحدى الأصول القيّمة وكان يفخر بكونه أحد تلامذته المجدّين، وهذا ما تحقق فعلاً بأن يصبح “بو عمرو” من صناع القرار الاقتصادي الرئيسيين في المملكة.
غيّب الموت قيردار قبل عامين، أي في عام كورونا الأسوأ في تاريخ المال والأعمال، ولكن سفينته الاستثمارية لا تزال تبحر بثبات نحو تحقيق المزيد من المنجزات. ولا يزال برجا النوافذ الزرقاء في المنطقة الدبلوماسية يتصدران الساحة الاستثمارية إقليميا وعالميا، عاكسة أنوار الابتكار والمرونة في عوالم إدارة الأصول والاستثمارات البديلة.
لن أخوض في تفاصيل خروجها الحزين من بورصة البحرين وشطب أسهمها منذ 12 يوليو 2021 نتيجة عدم تحقيق مكاسب للمساهمين مع غياب فعلي لأي تداول على الأسهم (بنسبة 0.2 % من إجمالي تداولات السوق المالية)، ولكن إنفستكورب تحولت إلى نموذج عالمي رائد في الاستثمار بالشركات الخاصة والعقارات وإدارة الدين، وتسير على المسار الصحيح لتتسيّد شركات إدارة الأصول على مستوى المنطقة في المستقبل المنظور بمبادرات مبتكرة آخرها الاستثمار في تكنولوجيا البلوك تشين وبنيتها التحتية لمدة 10 سنوات عبر صندوق eLydian Lion بحجم 50 مليون دولار وبعائد سنوي 30 % للمستثمرين.