متى ستأكل البحرين ممّا تزرع؟

| محمد الجيوسي

سؤال‭ ‬مشروع‭ ‬طرحه،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬تواجه‭ ‬فيها‭ ‬المملكة‭ ‬إشكالات‭ ‬في‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬أو‭ ‬تقلبات‭ ‬استقرار‭ ‬إمداد‭ ‬الغذاء‭ ‬ووفرته،‭ ‬متى‭ ‬ستأكل‭ ‬البحرين‭ ‬مما‭ ‬تزرع؟‭ ‬فلا‭ ‬تزال‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬تبعيتها‭ ‬الغذائية‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬بنسبة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ %‬،‭ ‬ان‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬100‭ % ‬لغالبية‭ ‬السلع‭ ‬الأساسية‭. ‬

من‭ ‬اللحوم‭ ‬الحمراء‭ ‬والبيضاء،‭ ‬إلى‭ ‬الفواكه‭ ‬والخضروات‭ ‬ومشتقات‭ ‬الحليب‭ ‬وحتى‭ ‬أبسط‭ ‬المنتجات‭ ‬كالمكسرات‭ ‬وزيوت‭ ‬الطهي،‭ ‬سمّها‭ ‬ما‭ ‬شئت،‭ ‬كلها‭ ‬صنعت‭ ‬خارج‭ ‬البحرين‭ ‬تزيّن‭ ‬أرفف‭ ‬المتاجر‭ ‬وبسطات‭ ‬الأسواق‭ ‬المركزية‭ ‬بألوان‭ ‬مختلف‭ ‬أعلام‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هنالك‭ ‬منتج‭ ‬بحريني‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭. ‬تصنيف‭ ‬المملكة‭ ‬ضمن‭ ‬أفضل‭ ‬50‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬بالمؤشرات‭ ‬العالمية‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬تركب‭ ‬قارب‭ ‬النجاة‭ ‬من‭ ‬تقلبات‭ ‬إمدادات‭ ‬الغذاء‭ ‬العالمية‭.‬

ثمة‭ ‬مخاطر‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬انتهاج‭ ‬سياسة‭ ‬الاستيراد‭ ‬المطلق‭ ‬لكافة‭ ‬احتياجاتها‭ ‬الغذائية،‭ ‬لعل‭ ‬أبرزها‭ ‬الاضطرابات‭ ‬البيئية‭ ‬والمناخية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وانتشار‭ ‬الأوبئة،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬طبعاً‭ ‬مع‭ ‬أزمة‭ ‬جائحة‭ (‬كوفيد‭-‬19‭) ‬وتبعاتها‭ ‬طوال‭ ‬عامين‭ ‬على‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬الأغذية،‭ ‬المشكلات‭ ‬المتصلة‭ ‬بالسياسات‭ ‬الاستثمارية‭ ‬والتجارية‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬أسعار‭ ‬منتجات‭ ‬الشركات‭ ‬السعودية،‭ ‬مما‭ ‬يوقع‭ ‬المستهلك‭ ‬البحريني‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬“المراعي”‭ ‬و”ندى”‭ ‬و”نادك”‭ ‬في‭ ‬تكبد‭ ‬تكلفة‭ ‬الاستيراد‭.‬

لا‭ ‬ننسى‭ ‬أيضا‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭ ‬وما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬ثقيل‭ ‬الوطأة‭ ‬على‭ ‬وفرة‭ ‬الغذاء‭ ‬وقدرة‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬والذي‭ ‬نلمسه‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬مع‭ ‬ارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬استيراد‭ ‬مواد‭ ‬أساسية‭ ‬على‭ ‬راسها‭ ‬القمح‭ ‬بنسبة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬20‭ %‬،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬واردات‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬البيض‭ ‬لم‭ ‬تسلم‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الصراع‭ ‬العسكري‭ ‬الأوروبي‭. ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬المخزونات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لمدة‭ ‬3‭ ‬أو‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬للسلع‭ ‬الأساسية‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الوبائية؟‭  ‬

الزيادة‭ ‬السكانية،‭ ‬واستمرار‭ ‬الهدر‭ ‬الغذائي،‭ ‬وقلة‭ ‬الأيدي‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬تعتبر‭ ‬كذلك‭ ‬تحديات‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬لغاية‭ ‬الآن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تأثيرها‭ ‬السلبي‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجعل‭ ‬تحدي‭ ‬ندرة‭ ‬المياه‭ ‬وقلة‭ ‬هطول‭ ‬الأمطار‭ ‬والطقس‭ ‬الصيفي‭ ‬القاسي‭ ‬طوال‭ ‬السنة‭ ‬ومحدودية‭ ‬الأراضي‭ ‬الصالحة‭ ‬للزراعة‭ ‬واستحالة‭ ‬الزراعة‭ ‬التقليدية‭ ‬عائقاً‭ ‬أزلياً‭ ‬أمام‭ ‬جعل‭ ‬المملكة‭ ‬مكتفية‭ ‬ذاتيا‭ ‬لعدة‭ ‬سلع‭ ‬أساسية‭. ‬

لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬تجربة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬استغلال‭ ‬أراضٍ‭ ‬زراعية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجاورة‭ ‬عدم‭ ‬جدواها‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالتجربة‭ ‬الفاشلة‭ ‬لمشروع‭ ‬“خيرات‭ ‬البحرين”‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬وإلغاء‭ ‬ترخيص‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬فدان‭ (‬400‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭) ‬في‭ ‬محلية‭ ‬الدبة‭ ‬بعد‭ ‬8‭ ‬سنوات‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬الإهمال‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬نتيجة‭ ‬تذكر‭ ‬بحجة‭ ‬بُعدها‭ ‬عن‭ ‬كافة‭ ‬أساسيات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬بأراضيها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬يوما‭ ‬ما‭ ‬تلقّب‭ ‬بكل‭ ‬فخر‭ ‬بـ‭ ‬“بلد‭ ‬المليون‭ ‬نخلة”‭.  ‬

مساهمة‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي‭ ‬وصيد‭ ‬الأسماك‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لا‭ ‬تكاد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬1‭ %‬،‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬تخجل‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬ذكرها‭ ‬في‭ ‬التقارير‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الفصلية‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بذكر‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ذات‭ ‬المعدلات‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الأداء‭ ‬والنمو‭.  ‬

لكي‭ ‬يعود‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬عهده‭ ‬الميمون،‭ ‬ولكي‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬المملكة‭ ‬ثروة‭ ‬حيوانية‭ ‬وسمكية‭ ‬خالصة،‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬تفعيل‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬كتقنية‭ ‬الزراعة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تربة‭ ‬Hydroponic‭ ‬باستخدام‭ ‬البيوت‭ ‬المحمية‭ ‬لإنتاج‭ ‬الخضروات‭ ‬والورقيات‭ ‬الأساسية‭ ‬مثل‭ ‬البطيخ‭ ‬والخيار‭ ‬والفاصولياء‭ ‬والطماطم‭ ‬وغيرها‭. ‬وتطوير‭ ‬الاستزراع‭ ‬السمكي‭ ‬وتربية‭ ‬الأحياء‭ ‬المائية،‭ ‬وتهيئة‭ ‬أراض‭ ‬خاصة‭ ‬لتربية‭ ‬المواشي‭ ‬مع‭ ‬توافر‭ ‬كميات‭ ‬كافية‭ ‬للأعلاف‭ ‬ودعم‭ ‬المربين‭ ‬بالكهرباء‭ ‬والمياه‭ ‬وغيرها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الاتكالية‭ ‬شبه‭ ‬الأبدية‭ ‬على‭ ‬المنتج‭ ‬الاسترالي‭ ‬أو‭ ‬الإفريقي‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬الباكستاني‭. ‬

الاستراتيجية‭ ‬الوطنية‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬ستكون‭ ‬بلا‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬السبيل‭ ‬لتحقيق‭ ‬ما‭ ‬تطمح‭ ‬إليه‭ ‬المملكة‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬“اكتفاء‭ ‬ذاتي‭ ‬وطني”،‭ ‬ولكنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬تكامل‭ ‬في‭ ‬الأدوار‭ ‬لزيادة‭ ‬التوعية‭ ‬بالحد‭ ‬من‭ ‬الهدر‭ ‬الغذائي‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬132‭ ‬كيلوغراما‭ ‬للفرد‭ ‬سنويا،‭ ‬أي‭ ‬بمعدل‭ ‬230‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬سنويا‭ ‬بتكلفة‭ ‬95‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المملكة‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬دخول‭ ‬شركة‭ ‬ممتلكات‭ ‬البحرين‭ ‬القابضة‭ ‬كشريك‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‭ ‬بمشاريع‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬كصندوق‭ ‬سيادي‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الغذاء‭ ‬أولوية‭ ‬قصوى‭ ‬وحلما‭ ‬قابلا‭ ‬للتحقق‭ ‬قريباً‭.‬