معاريس

| نوح الجيده

قبل الجائحة كانت من جملة أمنياتي أن أقيمَ عُرسًا أدعو فيه كلّ المعارف التي جمعتها في حياتي الممتدة طولًا وعرضًا، سواء كانت هذه العلاقات قريبة أو بعيدة، أصدقاء أو زملاء، من جلست بقربهم على مقاعد الدراسة أو صافحتهم بين الطرقات، من عرفتهم في حديث عابر أو لقيتهم بين التغريدات.

كنتُ مستعدًا للوقوف أصافح هذا وأقبّل خدّ ذاك، وبينهما ألملمُ بشتي الأسود وأضبط مرزام شماغي الأبيض، أكرر الكلام ذاته وأردّ التهنئة بالتهنئة، أبتسم للكاميرا مع كلّ صديق وكأنّها الصورة الأخيرة معه، كنتُ مستعدًا لقضاء الليل كلّه بمثل هذه الحركة "الروبوتية" حتى أردَّ جميلَ الأيام التي وهبتني كلّ هؤلاء.

لكن سهم الحبّ كان أسبق عندما اختار قلبي في الوقت الذي أُغلقتْ فيه البيوت حتى نحاصر الفيروس، أذكر وأنا في صالون الحلاقة أهذّب ذقني كنت في عجلةٍ شديدة من أمري لأستطيع كتب الكتاب قبل مغرب اليوم الذي مُنعت فيه التجمعات بشكلٍ رسمي، كي أظفر على الأقل بتجمع صغيرٍ لا يتجاوز أفراده عشرةً من الأقارب.

أقول هذا الكلام راضيًا بما قسمه الله لي، مؤمنًا بقدره، موقنًا بخيرةِ أمره، ولكنّ شعورًا مثل هذا يتجدّد معي كلّ ما حضرت فرحًا أعانق فيها رجل الليلة عناقًا مليئًا بالذكريات والمواقف، يفهم من خلاله أنّي أحبّه دون شروط، وأن فرحه في ليلةِ عمره هو فرحي الذي لن أتنازل عن حضوره ما لم يمنعني العذر الذي يرضاه هو.

وأنا رجلٌ يحبّ الناس، يفرح لفرحهم ويحزن لمصابهم، وقد قرأت للإمام أحمد ابن حنبل قوله: «موعدنا يوم الجنائز» مشيرًا إلى أن تأثير المرء على الناس ومدى حبهم له يظهر يوم الجنائز، وأقول أن مثل ذلك يظهر يوم الفرح في ليلة العمر أيضًا، حيث يقبل القريب والبعيد من باب المحبة قبل الواجب، وترى حبّ الناس جليًّا في تعابير الوجوه من حولك.