هل تمتلك مملكة البحرين الإمكانيات لمضاعفة الاستثمار الأجنبي؟

| مراد علي مراد

يفرح‭ ‬الكثيرون‭ ‬ومنهم‭ ‬رجال‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬والاقتصاد‭ ‬عند‭ ‬إعلان‭ ‬الدولة‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭. ‬والمقصود‭ ‬بالاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬محلي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬والذي‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬العالم‭.  ‬وعندما‭ ‬يفكر‭ ‬المستثمر‭ ‬الأجنبي‭ ‬بجلب‭ ‬استثماراته‭ ‬ومشاريعه‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬فهذا‭ ‬يدل‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬ثقته‭ ‬بمستوى‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان‭ ‬والاستقرار‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ويقينه‭ ‬بمتانة‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمر‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬المشجعة‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬كفاءات‭ ‬بحرينية‭ ‬مدربة‭ ‬أو‭ ‬قابلة‭ ‬للتدريب‭ ‬والتطوير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬النشاط‭ ‬التجاري‭ ‬والمالي‭ ‬والاقتصادي‭.  ‬وهذه‭ ‬الثقة‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ثمرة‭ ‬العناية‭ ‬والرعاية‭ ‬الكريمة‭ ‬من‭ ‬القيادة‭ ‬الرشيدة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬حضرة‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭ ‬وحكومته‭ ‬الموقرة‭ ‬برئاسة‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬وحرصهم‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬بناء‭ ‬المستقبل‭ ‬الواعد‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬العزيز‭.  ‬وبالعودة‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬إغفال‭ ‬المنافسة‭ ‬الشديدة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لجذب‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬لأهميتها‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬برامج‭ ‬التنمية‭ ‬والمساعدة‭ ‬كعامل‭ ‬أساس‭ ‬فيها‭. ‬

كما‭ ‬لا‭ ‬يخفى‭ ‬عليكم‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬أصبح‭ ‬كقرية‭ ‬صغيرة‭ ‬مترابطة‭ ‬ومعتمدة‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬كثيرة‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬الجوانب‭ ‬التجارية‭ ‬والصناعية‭ ‬والخدماتية‭ ‬والمالية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬فالدول‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬قارات‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬صغيرة‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬كبيرة‭ ‬تضع‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬على‭ ‬قمة‭ ‬سلم‭ ‬أولوياتها‭ ‬وتنافس‭ ‬بشدة‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬لجذب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭. ‬

كما‭ ‬تحاول‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بشتى‭ ‬الطرق‭ ‬والوسائل‭ ‬أن‭ ‬تهيئ‭ ‬كافة‭ ‬إمكانيتها‭ ‬لخوض‭ ‬هذه‭ ‬المنافسة‭ ‬والكسب‭ ‬بجذب‭ ‬أكبر‭ ‬حجم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭. ‬

ومن‭ ‬ضمن‭ ‬هذه‭ ‬الإمكانيات‭ ‬تهيئة‭ ‬وتدريب‭ ‬الكوادر‭ ‬في‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬والتي‭ ‬تجتمع‭ ‬وتتعرف‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬المستثمر‭ ‬وتقدم‭ ‬له‭ ‬العناية‭ ‬والرعاية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬كافة‭ ‬الخدمات‭ ‬وتذليل‭ ‬العقبات‭ ‬والتعجيل‭ ‬باتخاذ‭ ‬القرارات؛‭ ‬بهدف‭ ‬منح‭ ‬المستثمر‭ ‬الموافقات‭ ‬أو‭ ‬الردود‭ ‬المناسبة‭ ‬مع‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقوانين‭ ‬واللوائح‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬متزايد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬أصبحت‭ ‬توفر‭ ‬خدمات‭ ‬خاصة‭ ‬جدا‭ ‬وتصل‭ ‬إلى‭ ‬المستثمر‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬إقامته‭.  ‬وكما‭ ‬يعلم‭ ‬الجميع‭ ‬فإن‭ ‬الوقت‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمستثمر‭ ‬ذو‭ ‬أهمية‭ ‬قصوى‭ ‬ليتمكن‭ ‬من‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروعه‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ليستفيد‭ ‬من‭ ‬استثماره‭ ‬وليفيد‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬استثمر‭ ‬فيه‭. ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬بأن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬قادرة‭ ‬ودون‭ ‬أية‭ ‬صعوبة‭ ‬على‭ ‬مضاعفة‭ ‬جذب‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمستويات‭ ‬الحالية‭ ‬والذي‭ ‬سوف‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬برامجها‭ ‬التنموية‭ ‬ويساعد‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭. ‬

إن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬وجود‭ ‬إمكانيات‭ ‬كثيرة‭ ‬مثل‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬لمختلف‭ ‬الأنشطة‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬متانة‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬مثل‭ ‬المواصلات‭ ‬والاتصالات‭ ‬والتقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الكوادر‭ ‬المؤهلة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭. ‬وبالبحث‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬التطرق‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الفقرة‭ ‬السابقة،‭ ‬فسوف‭ ‬نجد‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬مراجعة‭ ‬القوانين‭ ‬واللوائح‭ ‬وتحديثها‭ ‬بصورة‭ ‬مستمرة‭ ‬خصوصا‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالاستثمار‭ ‬المحلي‭ ‬منها‭ ‬والأجنبي‭ ‬لتواكب‭ ‬ماهو‭ ‬متاح‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المنافسة‭. ‬

وما‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬هو‭ ‬إعداد‭ ‬وتهيئة‭ ‬وتثقيف‭ ‬الكوادر‭ ‬في‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬وتدريبها‭ ‬بصفة‭ ‬مستمرة‭ ‬للإلمام‭ ‬بطرق‭ ‬العناية‭ ‬والرعاية‭ ‬بالمستثمر‭ ‬وتوفير‭ ‬أفضل‭ ‬مستويات‭ ‬الخدمة‭ ‬لهم‭. ‬

إن‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬لتحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬إدراك‭ ‬كوادر‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬لأهمية‭ ‬المستثمر‭ ‬ومشروعه‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬والحركة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فيها‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬جديدة‭ ‬للتوظيف‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعلم‭ ‬بأن‭ ‬المستثمر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ردود‭ ‬سريعة‭ ‬وإيجابية،‭ ‬فالمستثمر‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬عبارات‭ ‬كـ‭ ‬“ما‭ ‬أقدر‭ ‬أعطيك‭ ‬الجواب‭ ‬لأن‭ ‬الموظف‭ ‬أو‭ ‬المسؤول‭ ‬الفلاني‭ ‬غير‭ ‬موجود”‭ ‬أو‭ ‬“روح‭ ‬عند‭ ‬الدائرة‭ ‬الفلانية”‭ ‬أو‭ ‬“اليوم‭ ‬العمل‭ ‬نصف‭ ‬نهار”‭ ‬أو‭ ‬“ارجع‭ ‬لي‭ ‬بعد‭ ‬شهر‭ ‬الخ‮…‬‭.‬”،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الأمور‭ ‬والإجراءات‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬إدارات‭ ‬مختلف‭ ‬المؤسسات‭ ‬تعتبر‭ ‬شؤون‭ ‬داخلية‭ ‬وليست‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬شئون‭ ‬المستثمر‭. ‬

كما‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬جيدا‭ ‬بأن‭ ‬الإجابة‭ ‬بـ‭ ‬“لا”،‭ ‬لا‭ ‬تعزز‭ ‬ثقة‭ ‬المستثمر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬العزيز،‭ ‬فالمستثمر‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬العناية‭ ‬وسرعة‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬طلبه،‭ ‬لأن‭ ‬الوقت‭ ‬يشكل‭ ‬عامل‭ ‬أساسي‭ ‬له،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الرعاية‭ ‬من‭ ‬كوادر‭ ‬وموظفي‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬لتذليل‭ ‬العقبات،‭ ‬مقابل‭ ‬منحه‭ ‬لثقته‭ ‬واستثماره‭ ‬لماله‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭.. ‬فالمستثمر‭ ‬يستحق‭ ‬ذلك‭. ‬

لقد‭ ‬أثبت‭ ‬الكادر‭ ‬البحريني‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬وفي‭ ‬مواقع‭ ‬مختلفة‭ ‬بأنه‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬والمهنية‭ ‬ويعتمد‭ ‬عليه‭ ‬ويستحق‭ ‬كل‭ ‬الثقة‭. ‬فما‭ ‬هو‭ ‬مطلوب‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬إعداد‭ ‬كادر‭ ‬الخطوط‭ ‬الأمامية‭ ‬وتطويره‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التثقيف‭ ‬والتدريب‭ ‬وإعادة‭ ‬التأهيل،‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬عبر‭ ‬البرامج‭ ‬التدريبية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬معاهد‭ ‬التدريب‭ ‬أوعن‭ ‬طريق‭ ‬الصناديق‭ ‬مثل‭ ‬صندوق‭ ‬العمل‭ ‬“تمكين”‭. ‬بالإضافة‭ ‬لما‭ ‬سبق‭ ‬فإنه‭ ‬بالإمكان‭ ‬إدراج‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬الأكاديمية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭. ‬

إن‭ ‬مضاعفة‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬وتهيئة‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬لمنافسة‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬الاستثمار‭ ‬يعتبر‭ ‬مبادرة‭ ‬تستحق‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يبذل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬وجهد‭. ‬

وفي‭ ‬المحصلة‭ ‬فإن‭ ‬مضاعفة‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬سوف‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تنويع‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ويساعد‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬التنمية‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬أمنية‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يسكن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الطيبة‭.‬