النوع وليس الكم

| زهير توفيقي

أتابع‭ ‬كغيري‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬البرامج‭ ‬الانتخابية‭ ‬للعدد‭ ‬المهول‭ ‬من‭ ‬المترشحين‭ ‬للانتخابات‭ ‬النيابية‭ ‬القادمة،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬العدد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬250‭ ‬حتى‭ ‬كتابة‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬ممن‭ ‬أعلنوا‭ ‬عزمهم‭ ‬الترشح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وفي‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬المترشحين‭ ‬يعتبر‭ ‬سابقة‭ ‬غير‭ ‬صحية‭ ‬في‭ ‬تجربتنا‭ ‬البرلمانية،‭ ‬قياسا‭ ‬لعدد‭ ‬سكان‭ ‬المملكة‭ ‬ومساحتها‭ ‬الجغرافية،‭ ‬وحسب‭ ‬النظام‭ ‬الانتخابي‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سقف،‭ ‬والشروط‭ ‬الموضوعة‭ ‬بسيطة‭ ‬جدا‭ ‬للتقدم،‭ ‬لذا‭ ‬لوحظ‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬من‭ ‬المترشحين‭ ‬الذين‭ ‬أتخيل‭ ‬وكأن‭ ‬معظمهم‭ ‬يتقدم‭ ‬إلى‭ ‬وظائف‭ ‬شاغرة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الكسب‭ ‬المادي‭ ‬والوجاهة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬تحقيق‭ ‬المطالب‭ ‬الأساسية‭ ‬والمعيشية‭ ‬للمواطن‭.‬

من‭ ‬خلال‭ ‬متابعة‭ ‬البرامج‭ ‬الانتخابية‭ ‬لمعظم‭ ‬المترشحين،‭ ‬فإنهم‭ ‬يؤكدون‭ ‬لنا‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬أنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬“الواق‭ ‬واق”‭! ‬نعم‭ ‬أقولها‭ ‬بكل‭ ‬حسرة‭ ‬وأنا‭ ‬أراهن‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بسبب‭ ‬أطروحاتهم‭ ‬البعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬الواقع،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أنهم‭ ‬يضحكون‭ ‬على‭ ‬الذقون،‭ ‬فترى‭ ‬المترشح‭ ‬يسطر‭ ‬كل‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬غيره،‭ ‬بل‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬القائمة‭ ‬المتداولة،‭ ‬والمضحك‭ ‬المبكي‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬أعلن‭ ‬أنه‭ ‬سيقوم‭ ‬بخفض‭ ‬أسعار‭ ‬البترول‭ ‬للمواطن‭. ‬أتمنى‭ ‬من‭ ‬الناخبين‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ينجروا‭ ‬خلف‭ ‬هذه‭ ‬الوعود،‭ ‬وأن‭ ‬يستفيدوا‭ ‬من‭ ‬مخرجات‭ ‬الفصول‭ ‬التشريعية‭ ‬السابقة‭.‬

إن‭ ‬التجارب‭ ‬والنتائج‭ ‬المخيبة‭ ‬للآمال‭ ‬لبعض‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬الفصول‭ ‬التشريعية‭ ‬السابقة‭ ‬أظهرت‭ ‬لنا‭ ‬جليا‭ ‬تواضع‭ ‬بل‭ ‬ضعف‭ ‬مستواهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الرقابي‭ ‬والتشريعي،‭ ‬حيث‭ ‬تابعنا‭ ‬طرح‭ ‬بعض‭ ‬النواب‭ ‬مواضيع‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬ولا‭ ‬تسمن‭! ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬موضوعية‭ ‬وعقلانية‭ ‬ومنطقية،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تحمل‭ ‬الحكومة‭ ‬تسديد‭ ‬القروض‭ ‬الشخصية‭ ‬عن‭ ‬المواطنين‭.‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬أعطي‭ ‬مثالًا‭ ‬آخر‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬مشابهة‭ ‬للعمل‭ ‬البرلماني،‭ ‬وهي‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية،‭ ‬حيث‭ ‬شاهدنا‭ ‬نقابات‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬والمطالب‭ ‬العمالية‭ ‬المنشودة‭ ‬بسبب‭ ‬ضعف‭ ‬طرحها‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬المكاسب‭ ‬المادية‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الأخذ‭ ‬بالاعتبار‭ ‬نتائجها‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬المالية‭ ‬السلبية‭ ‬على‭ ‬المؤسسة‭! ‬

لا‭ ‬أدافع‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬إدارات‭ ‬المؤسسات،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الإنصاف،‭ ‬فالإدارات‭ ‬العليا‭ ‬عندما‭ ‬ترفض‭ ‬مطالبهم‭ ‬فإن‭ ‬لها‭ ‬أسبابا‭ ‬ومبررات‭ ‬جوهرية،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الإدارات‭ ‬غير‭ ‬منصفة‭! ‬

الأهم‭ ‬هو‭ ‬خلق‭ ‬فريق‭ ‬متجانس‭ ‬بين‭ ‬الإدارة‭ ‬والنقابة‭ ‬وعندها‭ ‬سنتوقع‭ ‬نتائج‭ ‬إيجابية‭ ‬للطرفين‭.‬