ذكرى عاشوراء والحكومة الجديدة

| عبدالنبي الشعلة

مثل‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬والعقود‭ ‬والقرون‭ ‬الماضية،‭ ‬اختتمت‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬أمس‭ ‬فعاليات‭ ‬ذكرى‭ ‬عاشوراء‭ ‬لهذا‭ ‬العام‭ ‬بكل‭ ‬سلاسة‭ ‬وسلام‭ ‬وحسن‭ ‬تنظيم،‭ ‬ورأى‭ ‬الجميع،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬المراقبون‭ ‬والمتربصون،‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ليس‭ ‬ملتزما‭ ‬وحريصا‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬ممارسة‭ ‬الشيعة‭ ‬لشعائرهم‭ ‬الدينية،‭ ‬بل‭ ‬حريص‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬بالذات‭ ‬ورعايتها،‭ ‬وقد‭ ‬تميز‭ ‬وانفرد‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الاسلامية‭ ‬كافة،‭ ‬ومنذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬أيضًا‭ ‬بتخصيص‭ ‬يومي‭ ‬التاسع‭ ‬والعاشر‭ ‬من‭ ‬محرم‭ ‬عطلة‭ ‬رسمية‭ ‬للجميع،‭ ‬ما‭ ‬يسهل‭ ‬ويمكن‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬تأدية‭ ‬هذه‭ ‬الشعائر‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬طقوس‭ ‬وفعاليات‭ ‬المناسبة،‭ ‬وبما‭ ‬يرمز‭ ‬إلى‭ ‬تفهم‭ ‬الدولة‭ ‬وتعاطفها،‭ ‬وإلى‭ ‬مواساة‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬الأخرى‭ ‬لأشقائهم‭ ‬الشيعة،‭ ‬هادفة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬أن‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬إمام‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭ ‬شيعتهم‭ ‬وسنتهم،‭ ‬وأن‭ ‬قضيته‭ ‬تهم‭ ‬وتؤلم‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭ ‬سنتهم‭ ‬وشيعتهم‭.‬

وتحرص‭ ‬الدولة‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الظروف‭ ‬والأجواء‭ ‬المناسبة،‭ ‬وتَستنفر‭ ‬أجهزتها‭ ‬الأمنية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬لتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬الأمنية‭ ‬والإجراءات‭ ‬التنظيمية‭ ‬اللازمة،‭ ‬وتنظيم‭ ‬حركة‭ ‬المرور‭ ‬وإغلاق‭ ‬الشوارع‭ ‬والمنافذ‭ ‬التي‭ ‬تعبرها‭ ‬مواكب‭ ‬العزاء‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬تجند‭ ‬الدولة‭ ‬أيضًا‭ ‬إمكانياتها‭ ‬ومرافقها‭ ‬المعنية‭ ‬كافة،‭ ‬مثل‭ ‬الخدمات‭ ‬البلدية‭ ‬والتنظيف‭ ‬والعناية‭ ‬الصحية،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬استعداد‭ ‬وجاهزية‭ ‬المستشفيات‭ ‬والعيادات‭ ‬وخدمات‭ ‬الطوارئ‭ ‬الطبية،‭ ‬وضمان‭ ‬توفر‭ ‬المواد‭ ‬والأجهزة‭ ‬المطلوبة‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬التزامها‭ ‬بقيم‭ ‬التعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬مختلف‭ ‬الأطياف‭ ‬بممارسة‭ ‬شعائرهم‭ ‬ومعتقداتهم‭ ‬الدينية،‭ ‬فقد‭ ‬تمسكت‭ ‬الدولة‭ ‬بهذه‭ ‬السياسة‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يكتنفها‭ ‬من‭ ‬محاذير‭ ‬وتبعات‭ ‬نتيجة‭ ‬لما‭ ‬تشهده‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬تشنج‭ ‬واستقطاب‭ ‬طائفي‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬عقد‭ ‬السبعينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬بحيث‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الشيعة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬المناطق،‭ ‬يغبطون‭ ‬شيعة‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يتمتعون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬تأدية‭ ‬طقوسهم‭ ‬الدينية،‭ ‬“حتى‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬كربلاء‭ ‬الخليج”‭ ‬ويعتبرها‭ ‬وجهة‭ ‬مفضلة‭ ‬بعد‭ ‬كربلاء‭ ‬والنجف‭ ‬الأشرف‭ ‬بالعراق‭ ‬لممارسة‭ ‬وتأدية‭ ‬شعائر‭ ‬عاشوراء‭ ‬والتمتع‭ ‬بالحرية‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬توفرها‭ ‬الدولة؛‭ ‬فكان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬يتقاطر‭ ‬على‭ ‬البحرين‭ ‬المئات‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موسم‭ ‬من‭ ‬مواسم‭ ‬عاشوراء‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وكان‭ ‬موكب‭ ‬الإحسائيين‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬مواكب‭ ‬العزاء‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬المواكب‭ ‬الحسينية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تقام‭ ‬وتنظم‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة‭ ‬وخارجها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬لمواكب‭ ‬الشيعة‭ ‬من‭ ‬جاليات‭ ‬شبه‭ ‬القارة‭ ‬الهندية‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬البحرين‭.‬

إن‭ ‬نجاح‭ ‬موسم‭ ‬عاشوراء‭ ‬بشكل‭ ‬متميز‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬يبرز‭ ‬كأحد‭ ‬الإنجازات‭ ‬الحضارية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬لصالح‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تشكيلها‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر،‭ ‬والتي‭ ‬جاء‭ ‬تشكيلها‭ ‬بدون‭ ‬أدنى‭ ‬شك‭ ‬موفقا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التوقيت‭ ‬والمضمون،‭ ‬فقد‭ ‬حمل‭ ‬بين‭ ‬طياته‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدلالات‭ ‬والرسائل‭ ‬والمؤشرات‭ ‬الإيجابية‭ ‬الواضحة،‭ ‬التي‭ ‬تدعونا‭ ‬إلى‭ ‬الثقة‭ ‬والتفاؤل‭ ‬بأن‭ ‬قاطرة‭ ‬التنمية‭ ‬والتطوير‭ ‬والإصلاح‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬منطلقة‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يعترض‭ ‬طريقها‭ ‬من‭ ‬صعاب‭ ‬وعوائق‭ ‬وتحديات،‭ ‬ولقد‭ ‬أصبح‭ ‬واضحا‭ ‬وجليًا‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قصر‭ ‬المدة،‭ ‬بأن‭ ‬التشكيل‭ ‬الوزاري‭ ‬الجديد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬المشاركة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬وتطعيم‭ ‬الطاقم‭ ‬التنفيذي‭ ‬بالمزيد‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬والطاقات‭ ‬الشابة‭ ‬المهنية؛‭ ‬لضمان‭ ‬استمرارية‭ ‬التحديث‭ ‬والتطوير،‭ ‬مع‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرات‭ ‬والكفاءات‭ ‬المجربة‭ ‬والمتمرسة‭ ‬ممن‭ ‬وصفهم‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بأنهم‭ ‬“عمالقة‭ ‬العمل‭ ‬الوطني”‭ ‬ليدعموا‭ ‬ويثروا‭ ‬بتجاربهم‭ ‬وخبراتهم‭ ‬أعمال‭ ‬المجلس،‭ ‬وليتحقق‭ ‬بذلك‭ ‬التفاعل‭ ‬والتلاقح‭ ‬والتوازن‭ ‬الأمثل‭ ‬بين‭ ‬الخبرة‭ ‬والتجديد‭.‬

وبغرض‭ ‬تحقيق‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التحفيز‭ ‬واستنهاض‭ ‬نصف‭ ‬المجتمع،‭ ‬فقد‭ ‬تضمن‭ ‬التشكيل‭ ‬الجديد‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الوزراء‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬ليكون‭ ‬أيضًا‭ ‬بمثابة‭ ‬الإدراك‭ ‬والتقدير‭ ‬لمكانة‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ودورها‭ ‬المتقدم‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬التطوير‭ ‬والانطلاق‭ ‬الوطني‭.‬

ولا‭ ‬نهدف‭ ‬إلى‭ ‬المديح‭ ‬أو‭ ‬الإطراء،‭ ‬أو‭ ‬السعي‭ ‬وراء‭ ‬منفعة‭ ‬أو‭ ‬غرض‭ ‬آخر،‭ ‬عندما‭ ‬نؤكد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬سجايا‭ ‬ومناقب‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الكرام‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يتخلون‭ ‬ولا‭ ‬يفرطون‭ ‬أو‭ ‬يتنكرون‭ ‬لمن‭ ‬خدم‭ ‬الوطن‭ ‬بتفان‭ ‬وإخلاص،‭ ‬بل‭ ‬إنهم‭ ‬يضعونهم‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬والإكبار،‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬شكل‭ ‬الشيوخ‭ ‬والوزراء‭ ‬الذين‭ ‬خرجوا‭ ‬من‭ ‬التشكيل‭ ‬الوزاري‭ ‬الجديد‭ ‬مخزونا‭ ‬ورصيدا‭ ‬وطنيًا‭ ‬زاخرًا‭ ‬بالخبرة‭ ‬والكفاءة‭ ‬والاقتدار،‭ ‬وقد‭ ‬بُدئ‭ ‬بالفعل‭ ‬الاستعانة‭ ‬ببعضهم‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المواقع‭ ‬القيادية‭ ‬المتقدمة،‭ ‬ويبقى‭ ‬الآخرون‭ ‬سندا‭ ‬وجنودا‭ ‬مخلصين‭ ‬واقفين‭ ‬على‭ ‬أهبة‭ ‬الاستعداد‭ ‬لتقديم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العطاء‭ ‬لوطننا‭ ‬العزيز‭.‬

إن‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬بدأ‭ ‬بالفعل‭ ‬قيادة‭ ‬الحكومة‭ ‬الجديدة‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬تشكيلها‭ ‬بحماسه‭ ‬وعزمه‭ ‬المعتادين،‭ ‬وفي‭ ‬يده‭ ‬رصيد‭ ‬حصيلة‭ ‬وافرة‭ ‬من‭ ‬المكتسبات‭ ‬والإنجازات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تحقيقها،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬مواجهة‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭ ‬باقتدار‭ ‬متميز‭ ‬مشهود،‭ ‬وقيادة‭ ‬مبادرات‭ ‬وبرامج‭ ‬التعافي‭ ‬الصحي‭ ‬المجتمعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬بعد‭ ‬الكورونا،‭ ‬بحيث‭ ‬صنف‭ ‬مؤشر‭ ‬“نيكاي”‭ ‬الياباني‭ ‬مؤخرا‭ ‬البحرين‭ ‬بأنها‭ ‬الأولى‭ ‬عالميا‭ ‬في‭ ‬التعافي‭ ‬من‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دوره‭ ‬البارز‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أعاصير‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬أنقذ‭ ‬البحرين‭ ‬وأهلها‭ ‬من‭ ‬مغبة‭ ‬الانزلاق‭ ‬إلى‭ ‬الهاوية‭ ‬التي‭ ‬انزلقت‭ ‬إليها‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬عربية‭ ‬شقيقة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭ ‬وغيرها،‭ ‬وسموه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬تام‭ ‬بحجم‭ ‬المقتضيات‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الصراعات‭ ‬والمتغيرات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وما‭ ‬يتطلبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حنكة‭ ‬وتدبير‭.‬

وبهذه‭ ‬المكتسبات‭ ‬والمنجزات‭ ‬وحيال‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬فإننا‭ ‬نقف‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬الانتخابات‭ ‬النيابية‭ ‬والبلدية‭ ‬التي‭ ‬ستجرى‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬وستكون‭ ‬لنا‭ ‬وقفة‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬المقبل،‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬