ما وراء الحقيقة

أزمة أوكرانيا.. لعبة الكبار

| د. طارق آل شيخان الشمري

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي اعتقد العالم تفرد واشنطن بقيادة العالم، إلا أن هذا الرأي غير صحيح، فمسألة تفرد واشنطن بقيادة العالم تعني ألا منافس لها على الإطلاق، وهذا غير صحيح مطلقا، فأزمة أوكرانيا ودخول روسيا بحرب خاصة ضد أوكرانيا هي ليست بين روسيا والولايات المتحدة المتفردة بقيادة العالم كما يقولون، بل هي بين واشنطن ومعها الناتو وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا وبين وروسيا، وفي هذا دليل واضح أن الرأي القائل إن واشنطن هي متفردة بقيادة العالم رأي غير صحيح، وإلا لكانت واشنطن قد واجهت موسكو وحدها وهزمتها وهذا ما لم يحدث. لكن وفي عالم السياسة هناك يحدث المستحيل، ويحدث أيضا أن يكون الأعداء متفقين مع بعضهم بطريقة غير مباشرة، بمعنى أن الحرب الكلامية والواقع العسكري قد يظهر للعيان أنهما أعداء، لكن الاتفاق وتحقيق المصلحة للأعداء هو الأمر الخفي الذي لا يلاحظه الآخرون، وسوف نسقط هذا الأمر على موسكو وواشنطن فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا. فالولايات المتحدة من مصلحتها الكبيرة أن تبقى أوروبا ضعيفة ومنهارة اقتصاديا وأمنيا وسياسيا حتى تبقى واشنطن هي التي تقود أوروبا مع لندن من خلال الأنجلوسكسونية الجديدة، وهذا لن يتحقق إلا إذا قامت روسيا بتهديد أوروبا بشكل دائم من خلال غزو أو نشوب حرب أو توترات مع دولة أوروبية، سواء كانت بالاتحاد الأوروبي أو بالناتو، وهذا ما حصل بالفعل من خلال أزمة أوكرانيا.. فموسكو سيطرت على إقليم دونباس وستسيطر على الجنوب الأوكراني، وتم نزع سلاح أوكرانيا واقعيا، وحقق بوتن ما كان يريده. إذا المصلحة في أزمة أوكرانيا هي مصلحة مشتركة حقق فيها الكبار ما يريدونه.. موسكو فرضت كلمتها وهي تهدد أوروبا التي تعيش بخوف وهلع، وواشنطن حققت مبتغاها وجعلت أوروبا تحتاج لها بشكل أكثر من ذي قبل، إذا واشنطن ليست القوة الأولى بالعالم، وليس من مصلحتها أن تكون الأولى لأن العالم سيتحد ضدها وسيسقطها.. واشنطن تريد منافسا لها حتى تلعب دائما معه على النهائي لكن من دون أن تحوز على اللقب حتى يستمر النهائي بين الفريقين ويحققا مصالحهما، إنها لعبة لا يجيدها إلا الكبار.