فريد شوقي ونجيب محفوظ... كل عام وأنتم بخير

| رضي السماك

في‭ ‬السنين‭ ‬الخوالي‭ ‬من‭ ‬صبانا‭ ‬كانت‭ ‬السينما‭ ‬أمتع‭ ‬الأمكنة‭ ‬التي‭ ‬نحتفل‭ ‬فيها‭ ‬بالعيد؛‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬وقع‭ ‬سحري‭ ‬يداعب‭ ‬مخيلتنا،‭ ‬وكان‭ ‬أترابي‭ ‬يتوزعون‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬فئات‭: ‬عشاق‭ ‬الأفلام‭ ‬الأميركية،‭ ‬وعشاق‭ ‬الأفلام‭ ‬الهندية،‭ ‬وعشاق‭ ‬الأفلام‭ ‬المصرية،‭ ‬وكنت‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تستهويني‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬الأفلام‭ ‬الرومانسية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬ببطولتها‭ ‬أو‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬ممثلون‭ ‬كبار،‭ ‬من‭ ‬أمثال‭: ‬فاتن‭ ‬حمامة‭ ‬ومريم‭ ‬فخر‭ ‬الدين‭ ‬وسميرة‭ ‬أحمد‭ ‬ونادية‭ ‬لطفي‭ ‬وشادية‭ ‬وسعاد‭ ‬حسني‭ ‬وزهرة‭ ‬العلا‭ ‬وماجدة،‭ ‬وكمال‭ ‬الشناوي‭ ‬وأحمد‭ ‬رمزي‭ ‬وعبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬ورشدي‭ ‬أباظة‭ ‬ومحمود‭ ‬المليجي‭ ‬وإسماعيل‭ ‬ياسين‭ ‬وفريد‭ ‬شوقي،‭ ‬وهذا‭ ‬الأخير‭ ‬أتذكر‭ ‬جيداً‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أفلامه‭ ‬التي‭ ‬شاهدتها‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬وفي‭ ‬محطة‭ ‬أرامكو‭ ‬“جعلوني‭ ‬مجرماً”،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬أدرك‭ ‬حينها‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السن‭ ‬الطرية‭ ‬أهميته‭ ‬وقيمته‭ ‬الفنية‭ ‬والمضمونية،‭ ‬وأنه‭ ‬سيصبح‭ ‬بعدئذ‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬مئة‭ ‬فيلم‭ ‬مصري،‭ ‬وكان‭ ‬كاتب‭ ‬قصته‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬الذي‭ ‬عرف‭ ‬فريد‭ ‬شوقي‭ ‬عظمته‭ - ‬كروائي‭ ‬كبير‭ ‬ذي‭ ‬خصال‭ ‬إنسانية‭ - ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬المشترك‭ ‬للتحضير‭ ‬للفيلم‭ ‬إثر‭ ‬استعانته‭ ‬به‭ ‬ليؤدي‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬بمنتهى‭ ‬الدقة‭ (‬شخصية‭ ‬حسن‭ ‬البلطجي‭ ‬تاجر‭ ‬المخدرات‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬أسرته‭ ‬المعدمة‭ ‬من‭ ‬كده‭ ‬الحرام‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬محفوظ‭ - ‬كما‭ ‬يروي‭ ‬شوقي‭ - ‬دقيقا‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬بمواعيد‭ ‬لقاءاتهما‭ ‬الاستشارية‭ ‬التي‭ ‬اتفقا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬“كازينو‭ ‬بديعة”،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يحضر‭ ‬للمكان‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬مواقيتها،‭ ‬ويضيف‭ ‬أنه‭ ‬اتفق‭ ‬معه‭ ‬أيضاً‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬عائد‭ ‬أتعابه‭ ‬من‭ ‬الفيلم‭ ‬100‭ ‬جنيه‭ ‬مقسمة‭ ‬على‭ ‬أربعة‭ ‬أقساط‭: ‬الأول‭ ‬عند‭ ‬توقيع‭ ‬العقد،‭ ‬والثاني‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬ربع‭ ‬العمل،‭ ‬والثالث‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬نصفه،‭ ‬والرابع‭ ‬بعد‭ ‬إنجاز‭ ‬الفيلم‭ ‬كاملاً،‭ ‬ويضيف‭ ‬أنه‭ ‬فوجئ‭ ‬بأن‭ ‬أعاد‭ ‬له‭ ‬محفوظ‭ ‬المبلغ‭ ‬كاملاً‭ ‬بحجة‭ ‬أنه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬تدريبه‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬السيناريو،‭ ‬وأنه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يدفع‭ ‬لهم‭ ‬مقابلاً‭ ‬مالياً‭!‬

وبالمثل،‭ ‬لعل‭ ‬روائينا‭ ‬الكبير‭ ‬لم‭ ‬يدرك‭ ‬الجماهيرية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الفنان‭ ‬فريد‭ ‬شوقي‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬إثر‭ ‬اعتراض‭ ‬منتج‭ ‬أفلام‭ ‬لبناني‭ ‬على‭ ‬خاتمة‭ ‬فيلم‭ ‬جعلها‭ ‬محفوظ‭ ‬تنتهي‭ ‬بمقتل‭ ‬بطله‭ ‬فريد‭ ‬شوقي،‭ ‬حيث‭ ‬ترجّاه‭ ‬أن‭ ‬يغيّر‭ ‬هذه‭ ‬النهاية‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬غضب‭ ‬الجمهور‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فشل‭ ‬الفيلم‭.‬