مواقف إدارية

لم يتحمل الموقف فخرج...

| أحمد البحر

فرح‭ ‬يوسف‭ ‬كثيرًا‭ ‬عندما‭ ‬أخبره‭ ‬مدير‭ ‬مكتبه‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائه‭ ‬المقربين‭ ‬الذين‭ ‬أمضى‭ ‬معهم‭ ‬عمرًا‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬حضر‭ ‬“لتهنئتك”‭. ‬لم‭ ‬ينتظر‭ ‬يوسف‭ ‬حتى‭ ‬يكمل‭ ‬المدير‭ ‬كلامه‭ ‬فخرج‭ ‬من‭ ‬المكتب‭ ‬ليستقبل‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يره‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭. ‬كم‭ ‬هو‭ ‬جميل‭ ‬أن‭ ‬يشاركك‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والزملاء‭ ‬هذه‭ ‬المناسبات‭ ‬السعيدة‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬أحدهم‭ ‬يأتي‭ ‬بنفسه‭ ‬للتهنئة‭. ‬هكذا‭ ‬خاطب‭ ‬يوسف‭ ‬نفسه‭. ‬

‭ ‬جلس‭ ‬الصديق‭ ‬وأخذ‭ ‬يجول‭ ‬ببصره‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المكتب‭ ‬وبعد‭ ‬لحظات‭ ‬تأمل،‭ ‬قال‭ ‬وبأسلوب‭ ‬مازح‭ ‬في‭ ‬ظاهره‭: ‬ما‭ ‬هذا‭ ‬المكتب‭ ‬الفخم؟‭ ‬لماذا‭ ‬أنت؟‭ ‬أقصد‭ ‬لماذا‭ ‬أنت‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسة‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنصب؟‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬الحظ‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭. ‬أنا‭ ‬أمزح‭ ‬معك‭. ‬تابع‭ ‬الصديق‭ ‬وهو‭ ‬مازال‭ ‬يجول‭ ‬ببصره‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬المكتب‭: ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬ترقيتك‭ ‬هو‭ ‬إجادتك‭ ‬للغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬فحسب‭ ‬وإلا‭ ‬ماذا‭ ‬يميزك‭ ‬عن‭ ‬الآخرين؟

‭ ‬ظل‭ ‬يوسف‭ ‬صامتًا‭ ‬وهادئًا‭ ‬محافظًا‭ ‬على‭ ‬اتزانه‭ ‬محترمًا‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬“الصديق”‭ ‬في‭ ‬مكتبه‭. ‬فحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬لم‭ ‬يسمع‭ ‬كلمة‭ ‬تهنئة‭ ‬واحدة‭. ‬أخرج‭ ‬الصديق‭ ‬ظرفًا‭ ‬من‭ ‬جيبه‭ ‬وناوله‭ ‬يوسف‭ ‬قائلًا‭: ‬لنر‭ ‬كيف‭ ‬يقدّر‭ ‬الصديق‭ ‬صديقه،‭ ‬وتابع‭: ‬هذه‭ ‬أوراق‭ ‬ابني‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬يعمل‭ ‬ولكنه‭ ‬غير‭ ‬مرتاح‭ ‬في‭ ‬وظيفته‭ ‬حيث‭ ‬فرص‭ ‬الترقية‭ ‬هناك‭ ‬محدودة‭. ‬أريده‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬معك‭ ‬فأنت‭ ‬خير‭ ‬من‭ ‬يهتم‭ ‬به‭ ‬وبمستقبله‭ ‬المهني،‭ ‬ما‭ ‬رأيك؟

‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء‭ ‬دخل‭ ‬مدير‭ ‬المكتب‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬باقة‭ ‬ورد‭ ‬ويناول‭ ‬يوسف‭ ‬بطاقة‭ ‬تهنئة‭ ‬ثم‭ ‬يقول‭: ‬هذه‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬زملائك‭ ‬الذين‭ ‬عملت‭ ‬معهم‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭. ‬اسمه‭ ‬موجود‭ ‬على‭ ‬البطاقة‭. ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أنقل‭ ‬لك‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭: ‬تستاهل‭ ‬كل‭ ‬خير‭ ‬فأنت‭ ‬تأتيك‭ ‬الترقية‭ ‬ولا‭ ‬تطلبها‭ ‬لأنك‭ ‬مخلص‭ ‬وكفء‭ ‬ودائم‭ ‬التطوير‭ ‬لقدراتك‭ ‬وتؤمن‭ ‬بالولاء‭ ‬والانتماء‭ ‬للمؤسسة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بها‭ ‬وتحب‭ ‬الخير‭ ‬للجميع‭. ‬فتابع‭ ‬المدير‭: ‬كنت‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬تقابله‭ ‬لترى‭ ‬وتحس‭ ‬بنفسك‭ ‬صدق‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬في‭ ‬مشاعره‭ ‬تجاهك‭ ‬وهو‭ ‬يردد‭ ‬تلك‭ ‬العبارات‭ ‬ولكن‭.‬

تفاجأ‭ ‬يوسف‭ ‬بخروج‭ ‬صديقه‭ ‬من‭ ‬المكتب‭ ‬بصمت‭ ‬وحتى‭ ‬دون‭ ‬استئذان‭. ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتحمل‭ ‬سماع‭ ‬عبارات‭ ‬المديح‭ ‬تلك‭. ‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬هذا‭ ‬الصديق؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬الغيرة‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬الحسد؟‭ ‬هل‭ ‬خبرت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السلوكيات‭ ‬سيدي‭ ‬القارئ؟