المرأة البحرينية تحدٍّ وشموخ

| د. منصور محمد سرحان

عاشت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬ظروفًا‭ ‬صعبة‭ ‬عبر‭ ‬تاريخها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تحدّت‭ ‬جميع‭ ‬الصعاب‭ ‬لتبقى‭ ‬شامخة‭. ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬حتى‭ ‬العقود‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تعيش‭ ‬ظروفًا‭ ‬صعبة،‭ ‬وانحصر‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تدبير‭ ‬شئون‭ ‬المنزل‭ ‬وتربية‭ ‬الأطفال‭. ‬وساهمت‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬على‭ ‬تخلف‭ ‬المرأة‭ ‬وإبعادها‭ ‬عن‭ ‬جميع‭ ‬الأنشطة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬حبيسة‭ ‬منزلها‭ ‬لا‭ ‬تغادره‭ ‬إلا‭ ‬للذهاب‭ ‬لجلب‭ ‬الماء‭ ‬من‭ ‬العيون‭ ‬الطبيعية‭ ‬والغدران‭ ‬والسواقي،‭ ‬أو‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المزارع‭ ‬لمساعدة‭ ‬زوجها‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬مخلفات‭ ‬النخلة‭ ‬لاستخدام‭ ‬ذلك‭ ‬للوقود‭.‬

بقيت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬شامخة‭ ‬كشموخ‭ ‬النخلة،‭ ‬وكانت‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬بروح‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬والتفاؤل‭. ‬فقد‭ ‬كسرت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬بعزيمتها‭ ‬كل‭ ‬التقاليد‭ ‬المفروضة‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1928‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬أول‭ ‬مدرسة‭ ‬للبنات‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المحرق،‭ ‬التي‭ ‬امتلأت‭ ‬بالطالبات‭ ‬بشكل‭ ‬أدهش‭ ‬جميع‭ ‬أبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬آنذاك‭. ‬وحدث‭ ‬الشيء‭ ‬ذاته‭ ‬عندما‭ ‬افتتحت‭ ‬أول‭ ‬مدرسة‭ ‬للبنات‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬العاصمة‭ ‬1929،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬المدرسة‭ ‬ازدحامًا‭ ‬شديدًا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حتّم‭ ‬على‭ ‬المسئولين‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬افتتاح‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬البحرين‭ ‬وقراها‭. ‬وكان‭ ‬الفضل‭ ‬يرجع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬حاكم‭ ‬البحرين‭ ‬المستنير‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬الذي‭ ‬عيّن‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1930م‭ ‬وزيرًا‭ ‬للمعارف‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نشر‭ ‬المدارس‭ ‬للبنين‭ ‬والبنات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬البحرين‭.‬

تغير‭ ‬نمط‭ ‬حياة‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬بعد‭ ‬تخرجها‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬الابتدائية‭ ‬وكذلك‭ ‬المدارس‭ ‬الثانوية‭ ‬في‭ ‬خمسينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬انخراط‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتعليمية‭ ‬والأدبية‭ ‬والثقافية‭. ‬وتؤكد‭ ‬المصادر‭ ‬المتوافرة‭ ‬لدينا،‭ ‬أن‭ ‬عقد‭ ‬الخمسينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬شهد‭ ‬تأسيس‭ ‬أول‭ ‬نادٍ‭ ‬للسيدات‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1953،‭ ‬ويعد‭ ‬أول‭ ‬نادٍ‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الخليجية‭. ‬كما‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1955‭ ‬أول‭ ‬جمعية‭ ‬نسائية‭ ‬تم‭ ‬إشهارها،‭ ‬وهي‭ ‬جمعية‭ ‬نهضة‭ ‬فتاة‭ ‬البحرين‭.‬

كان‭ ‬للمرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬ودورها‭ ‬‏المشرف‭ ‬في‭ ‬المساهمة‭ ‬بالكتابة‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬جدًّا‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مشاركتها‭ ‬بشكل‭ ‬خجول‭. ‬ففي‭ ‬أربعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬بدأت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬تكتب‭ ‬مقالاتها‭ ‬في‭ ‬“جريدة‭ ‬البحرين”‭ ‬لصاحبها‭ ‬عبدالله‭ ‬الزايد‭. ‬ونظرًا‭ ‬لما‭ ‬تعيشه‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬بالذات‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬اجتماعية،‭ ‬فقد‭ ‬اكتفت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬بذكر‭ ‬حرف‭ ‬أو‭ ‬حرفين‭ ‬من‭ ‬اسمها‭.‬

ساهمت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬صحافة‭ ‬الخمسينات‭ ‬مستخدمة‭ ‬أسماء‭ ‬مستعارة‭ ‬أيضًا،‭ ‬واستمر‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬حتى‭ ‬بداية‭ ‬عقد‭ ‬الستينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬حينها‭ ‬أخذت‭ ‬تنشر‭ ‬مقالاتها‭ ‬مع‭ ‬ذكر‭ ‬اسمها‭ ‬الحقيقي‭. ‬كما‭ ‬شهد‭ ‬عقد‭ ‬السبعينات‭ ‬مشاركة‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬تأليف‭ ‬وإصدار‭ ‬الكتب‭. ‬فقد‭ ‬صدر‭ ‬أول‭ ‬كتاب‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1973،‭ ‬وكان‭ ‬إصدارًا‭ ‬موفّقًا‭ ‬لأنه‭ ‬تناول‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ (‬البحرين‭ ‬1783‭-‬1973م‭) ‬وهو‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬الدكتورة‭ ‬أمل‭ ‬الزياني‭.‬

غطت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬بقلمها‭ ‬اعتبارًا‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬الثمانينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وحتى‭ ‬عشرينات‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭ ‬موضوعات‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬والتاريخ‭ ‬والثقافة‭ ‬وغيرها،‭ ‬بلغ‭ ‬عددها‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭ ‬زهاء‭ ‬800‭ ‬عنوان‭ ‬كتاب‭.‬

‏أصبحت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفدى‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مشروعه‭ ‬الإصلاحي‭ ‬ندًّا‭ ‬للرجل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مجالات‭ ‬الحياة‭. ‬وحققت‭ ‬بفضل‭ ‬جهودها‭ ‬وطموحاتها‭ ‬مكاسب‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الوظائف‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭... ‬فأصبحت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬اليوم‭ ‬وزيرة،‭ ‬وعضو‭ ‬مجلس‭ ‬الشورى،‭ ‬وعضو‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬وطبيبة‭ ‬ومهندسة،‭ ‬ومحامية‭ ‬وقاضية،‭ ‬وعاملة‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬المهن‭. ‬

كما‭ ‬حصلت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬وفق‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬حقوقها‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حق‭ ‬الترشيح‭ ‬والترشح‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬البلدية،‭ ‬ومجلس‭ ‬النواب‭. ‬وأخذت‭ ‬المشاركة‭ ‬العادلة‭ ‬والمتكافئة‭ ‬للمرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬‏بُعدًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬لتصبح‭ ‬في‭ ‬إطاره‭ ‬مواطنًا‭ ‬كامل‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬نهضة‭ ‬البحرين‭.‬

وبتولّي‭ ‬صاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأميرة‭ ‬سبيكة‭ ‬بنت‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬قرينة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬مسؤولية‭ ‬الملف‭ ‬النسائي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي،‭ ‬تشكل‭ ‬الحراك‭ ‬الرسمي‭ ‬للمرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬بصورته‭ ‬الفاعلة‭.‬

نالت‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬جميع‭ ‬حقوقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مبادرة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬أمر‭ ‬إنشاء‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة،‭ ‬لتأكيد‭ ‬النهج‭ ‬الحكيم‭ ‬والرؤيه‭ ‬‏الثاقبة‭ ‬‏لجلالته،‭ ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬المكانة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬يوليها‭ ‬جلالته‭ ‬للمرأة‭ ‬البحرينية‭ ‬لتكون‭ ‬عنصرًا‭ ‬فاعلًا‭ ‬في‭ ‬إنجاح‭ ‬المشروع‭ ‬الإصلاحي‭ ‬لبناء‭ ‬دولة‭ ‬عصرية‭ ‬متقدمة‭ ‬يساهم‭ ‬فيها‭ ‬جميع‭ ‬أبناء‭ ‬البحرين‭ ‬بمختلف‭ ‬فئاته‭.‬

اكتسب‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة‭ ‬مكانة‭ ‬رفيعة‭ ‬بإناطة‭ ‬رئاسته‭ ‬لصاحبة‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأميرة‭ ‬سبيكة‭ ‬بنت‭ ‬إبراهيم‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬قرينة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك،‭ ‬لما‭ ‬عرف‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬اهتمامها‭ ‬الكبير‭ ‬بدور‭ ‬المرأة‭ ‬البحرينية،‭ ‬وفهمها‭ ‬العميق‭ ‬لقضاياها‭. ‬وبهذا‭ ‬يساهم‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للمرأة‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬فاعلية‭ ‬الحركة‭ ‬النسوية‭ ‬في‭ ‬المملكة،‭ ‬‏وهو‭ ‬تطور‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تمكينها‭ ‬باعتبارها‭ ‬ثروة‭ ‬بشرية‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬واعٍ‭.‬